الصيف في مدينة جدة، مدينة البحر والأسواق، شديد الحرارة والرطوبة. البحر يعطيها الرطوبة العالية فيزيد وقع الحرارة التي تجود بها شمس الصيف. والأسواق تعطيها الزحام. والمصانع تنفث في هذا الجو أبخرتها ودخانها، فيصبح الصيف فيها طاردا للميسورين، ولا يمكث فيها ألا المجبورون راكبو الصعاب.
المدينة الصناعية، كشأن المدن المخططة تخطيطا جيدا، يتوه المرء ليس في الوصول إليها وحسب، ولكن داخلها أيضا. عند دخول المدينة ومراحلها الخمس، تجد اللافتات تعلن عن الأسماء، وكذلك تقف هناك عند الشوارع الرئيسية تحمل (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > قصة قصيرة
قصة قصيرة
المقالات
-
الأفريقي الأبيض
1 حزيران (يونيو) 2007, ::::: بقادي الحاج أحمد -
دقيقة صمت
1 أيلول (سبتمبر) 2020, ::::: زكي شيرخان"أرح أباك. عد لتراه ثم ارحل ثانية. إنه يتألم. يرفض أن يموت قبل أن يراك. ارحمه".
لولا قولة أخيه لم يكن ليعود بعد كل هذه السنوات. في مجلس العزاء، جل من رأى من المعزّين طمرتهم الذاكرة أو كادت. كبر من كبر، وشاخ من شاخ. بدت النعمة على بعضهم، ولبس البؤس أغلبهم.
"هؤلاء، أولاد عمومتك"، "أولئك أصدقاء المرحوم الذين ظلوا على علاقتهم به" هذا ما كان يُهمس به لتنبيهه. "هذا شيخ العشيرة"، "أية عشيرة؟"، "عشيرتنا".
قضى أياما وهو يرى العجب ويسمع الأعجب.
= = =
في طريقهم إلى القرية التي ولد فيها الأب، (…) -
ذو الـنـصـفـيـن
1 شباط (فبراير) 2009, ::::: أمل النعيميمن كان ينظر إليه كان مستحيلا أن يفهم ما الذي يدور في ذهنه. كانت إحدى عينيه تنظر في الأفق اللامتناهي وهي ترقص طربا فوق أرض بلا أبعاد، والأخرى تستشيط غضبا وهي ترنو في الاتجاه الآخر إلى جدران بيت أو شيء لا يدري ما يسميه.
كان نصف شفتيه يقول لا ونعم وبضع كلمات لطالما تمنى أن يحكيها، والنصف الآخر صامت كأبي الهول، وبين سطور الصمت مجموعة اشمئزاز ولعنات. إحدى يديه كانت تلوح هنا وهناك وتمتد إلى القاصي والداني، والأخرى تتشبث بإصرار غريب بالطوب الذي يحرص على ديمومته إلى ما شاء الله.
إحدى قدميه تمشي (…) -
السيد غضبان
1 كانون الأول (ديسمبر) 2020, ::::: زكي شيرخانعلى مدى عمري الذي تجاوز الثلاثين، لم ألتق بشخص يطابق اسمه صفاته بالشكل الذي عليه السيد غضبان. السيد غضبان، الأربعيني، يغضب بسبب وبدونه. متجهم، متبرم، شاكٍ من كل شيء ومن لا شيء. وسامته وأناقته خادعتان لأكثر الناس فراسة إن لم يتحدث. جمعتني به الوظيفة التي سبقني إليها بما يقارب العقدين. موظف، باعتراف الجميع، مواظب، متمكن من اختصاصه، مخلص في عمله، حريص. لا أحد يستطيع العمل معه بسبب التوتر الذي يخلقه بسلوكه مع الآخرين. في بداية تعيني كان لا بد وأن أكون معه في نفس المكتب لاكتساب الخبرة، كما قرر (…)
-
لا تبك يا سندريلا
1 كانون الأول (ديسمبر) 2018, ::::: فنار عبد الغنيالصغيرة مذعورة، هوت على الأرض، وبدأ سيل الدموع يتدفق منها دون توقف. قلبها الصغير تتلاحق نبضاته، يكاد يثب من بين ضلوعها ويسقطها صريعة.
تقترب يده السمراء النحيفة منها وتمتد إليها بكل رقة، يربت على كتفها، لا يدري كيف يساعد هذه الصغيرة التي سيغشى عليها من البكاء. لقد ظهرت هذه الصغيرة في طريقه فجأة، كان يحمل أكياس الخضار والفاكهة بيده اليمنى وعكازه وجريدته باليد اليسرى.
كان يمشي رويدا وبشكل حذر في ذلك الوقت المبكر من النهار، يحافظ على خطواته المتناسقة وتوازنه قدر استطاعته، بينما الصغيرة ذات (…) -
مائدة الموت
25 أيلول (سبتمبر) 2014, ::::: لينا السمانيفي مساء الاثنين في حديقة منزلنا، كان الجو جميلا والهواء لطيفا. مساء جميل برفقة أبي، كنت على مقربة منه، تحدثنا كثيرا، وعبثنا بالذكريات سويا. لن أنسى هذه اللحظات ما حييت، لكنني بين كل فترة صمت تمر، كنت أرى نظرات الوداع في عينيه، أراه يلملم شعثه. خفت كثيرا من هذا الشعور، لكنني لم اعره اهتماما، ثم ايقظني من هذا الوهم صوته وهو يتحدث:
"يا بني، أنا لن أقلق عليك مطلقا، فالله يكفيك، الناس يظنون أن الوحدة أمر سيء، لكننا عندما أتينا إلى الدنيا كنا وحدنا، وكل لحظات الألم والسعادة نشعر بها بصدق وحدنا. (…) -
زمن الرجال
1 أيار (مايو) 2007, ::::: آمال سلامةعشرون، أربعون، ستون،... المبلغ صحيح أربعمئة دينار، وضعتها في جيبي وأنا أحاول إخفاء ابتسامة النصر التي أبت إلا الظهور على وجهي، ثم التفت ناحية زوجتي الجالسة بانتظاري وقلت لها: "هيا بنا."
أحسنت يا مصعب. كنتُ متأكدا أنها ستوافق في النهاية. فعلا لقد كانت هذه المرة صعبة قليلا واضطررت لإظهار الندم والأسف كثيرا، ولكن كلّ ذلك لا يهمّ: المبلغ معي، سأنفقه كما أريد، وستتولى هي التسديد كالعادة. لكن الشيكات! ما همّك؟ لم توقّع شيئا هي التي وقّعت، وهي من سيدفع. عليك أن تنسى التفكير بذلك وتفكّر ماذا ستفعل (…) -
سكراب
1 كانون الأول (ديسمبر) 2006, ::::: رحاب الصائغطلب من زوجته خالدة أن تشاركه الجولة في سيارته القديمة، من أيام الحواسم بأطراف المدينة. زوجته مبتسمة بجانبه، تزوده بأحلام يقاتل بها الشوارع، وتفتح مغاليق فمها بهودج أفكاره، بينما فاروق يمزق الأجواء بهدير سيارته التي لم يكن لها أثر في جغرافية عالم السكراب.
أشار لخالدة قائلاً: "منذ سنين عديدة كانت الأشجار عالية، أحكم غرسها في قلوبنا. انظري أصبحت حطباً وقلع أكثرها."
صفعته زوجته بعبارات: "عليك دفع فاتورة الكهرباء، التي شحت هذه الأيام، وإلاّ قطع ما تبقى منها."
هبت عاصفة أدرجت كلامها في جيب (…) -
صـحـو
1 كانون الأول (ديسمبر) 2008, ::::: هدى جرادات:: عود الند تبارك لهدى جرادات فوزها في مسابقة دارة المشرق 2008 :: . أثقلني الغدُ بعبئه، فخرجتُ أبحث عن غد آخر. غاب الرّصيف وغبتُ معه. صحوتُ في اللّيل ألتمس نهارا مضيئا. لم تمتْ يداي بعدْ. حملت ريشتي ولوّحت بها على بياض المكان، ومسحت آخر جرعة ألم صدمتني طويلا.
جئتَ تُلفتني على عجل: "انظري وراءك." استدرتُ ولم أرَ سوى ساحات ضيّقة اتّسعتْ بلون أحمر، يضجّ حينا ويخبو. التفتُّ إليكَ ورأيتك تبتعد حتى أصبحتَ أحمر.
في الغد أعددتُ فطوري: لقمة من خبز رقيق وجبنة شاحبة. أدَرتُ الطاحونة وشبعت.
مشيتُ (…) -
ومضات البرق + منبر الريش
1 أيلول (سبتمبر) 2021, ::::: هدى أبو غنيمةومضات البرق
تدفقت السيدة بحديث ودي، مع زميلات وزملاء العمل في الشركة الجديدة التي عملت فيها، أثناء حفل تعارف بين موظفي أقسام الشركة ومديريها الجدد.
لم تعبأ كثيرا في الاجتماعات المتتالية بومضات البرق المنبعثة من أعماقها، التي تهيب بها ألّا تسترسل في التعبير عن أ فكارها المتجددة لغزارة مطالعاتها الثقافية المعرفية، بل تصغي إلى الآخرين أكثر من الاسترسال في الحديث، فمهارات التلقي عند الآخرين ليست متجانسة، والتحلي بصفاء السريرة ليس صفة مستحبة دوما في مجتمعات الأقنعة، وميادين التنافس في (…)