آمال سلامة - الأردن
زمن الرجال
عشرون، أربعون، ستون،... المبلغ صحيح أربعمئة دينار، وضعتها في جيبي وأنا أحاول إخفاء ابتسامة النصر التي أبت إلا الظهور على وجهي، ثم التفت ناحية زوجتي الجالسة بانتظاري وقلت لها: "هيا بنا."
أحسنت يا مصعب. كنتُ متأكدا أنها ستوافق في النهاية. فعلا لقد كانت هذه المرة صعبة قليلا واضطررت لإظهار الندم والأسف كثيرا، ولكن كلّ ذلك لا يهمّ: المبلغ معي، سأنفقه كما أريد، وستتولى هي التسديد كالعادة. لكن الشيكات! ما همّك؟ لم توقّع شيئا هي التي وقّعت، وهي من سيدفع. عليك أن تنسى التفكير بذلك وتفكّر ماذا ستفعل بالمال؟ آه لو كان المبلغ أكثر. ولكن الحمد لله نعمة، أمشّي أموري به الآن. ما بالها صامتة؟ لم تقل شيئا منذ غادرنا البنك، يجب أن تقول شيئا.
"سميرة؟"
"نعم."
"نسيت أن أشكرك، حقا لقد أنقذتني من ورطة، وسأسدد لك كل قرش."
لم تعرف أن تحدد شعورها بالضبط. تشعر بالفراغ، كأنها بلا حدود. نادمة؟ غاضبة؟ سعيدة؟ حزينة؟ هي لا تعرف، ولم تصدّق قوله. دائما يعد ويخلف. شيء في داخلها كان يقول: قد يكون صادقا هذه المرة، قد يكون تعلّم شيئا من المرات السابقة، قد يكون هذا المبلغ الصغير مقارنة بالمبالغ السابقة بداية لعهد جديد معه، قد...
"ما بالك صامتة؟ أهناك شيء؟"
أجابت باقتضاب: "لا."
هي تعلم أن ما تحدثها نفسها به مجرد سراب، ولكنها تضحك على غبائها واستسلامها بهذه الكلمات.
وصلا المنزل، نزلت وذهب هو بسيارتها لعمله.
في ساعات قليلة تبدّد المبلغ؛ سددتُ ديونا، واشتريت القليل من البضاعة لأسيّر عملي المتوقف.
مضت الأيام بسرعة، وجاء موعد سداد الشيك الأول، لم أكن أملك المال لتغطيته، ماذا سأفعل؟ ستبدأ بالإلحاح والمطالبة، التغيب عن المنزل بحجة العمل أفضل شيء.
"هل عدت؟ أين كنت؟"
"ألا تملين من التحقيق والأسئلة؟ أين سأكون؟ في العمل."
"إذا هناك عمل وربح."
"أف، أنا متعب الساعة الثانية بعد منتصف الليل. أريد أن أتناول الطعام، لم آكل شيئا منذ الصباح، وبعد ذلك أريد النوم، لا وقت لديّ لسخافاتك."
"سخافاتي؟ لا مال لديّ وتعلم أن موعد الشيك استحق، وأجرة المنزل، وقسط الجامعة و..."
كان تصرفي سريعا وذكيا كالعادة، ألقيت بكأس الماء على الأرض صارخا، ورفعت المقعد مهددا بضربها قائلا: "ما أنت يا امرأة؟ اغربي عن وجهي، لا تقدرين تعب زوجك، اذهبي للنوم، لا أريد رؤيتك."
لملمت كرامتها المبعثرة. وبالقليل من الكبرياء الذي بقي لديّها ذهبت للنوم.
في الصباح تصرفت في خاتم بيدها ودفعت قيمة الشيك وقد عقدت العزم على أمر ما.
مرت أيام على الحديث الليلي المتوتر.
هو يعود متأخرا وتكون قد نامت أو تظاهرت بالنوم. تخرج هي صباحا لعملها وهو نائم، دون أن يتبادلا أي كلمة. مسؤوليات البيت والأولاد لا يعرف عنها شيئا. وفي ليلة:
"اقتربي مني، أريدك."
غادرت الفراش وذهبت للنوم على الأريكة في غرفة الجلوس. لم ألحق بها سأتركها لن أظهر لها حاجتي إليها ستأتي.
في الليلة الثانية تكرر الأمر، والثالثة و...
كانت هي قد قررت: سأنسى يوما أنه كان زوجي. سأمحوه من حياتي، وإلى أن أستطيع الخلاص منه، سأعيش حياتي، سأطعنه في كرامته وكبريائه. خسرت مالا؟ لا يهم. أضعت سنين من عمري؟ سأعوض بما بقي، ولكن لن أغفر له هذه المرة، ولن أسامح وسأردّ الإساءة بشكل عنيف غير متوقع.
أما هو فقد كان يحدّث نفسه: بسيطة يا مصعب، الأمر سينتهي كما تريد. هي غاضبة الآن لأنها تدفع، عندما ينتهي الدفع، ستكون مخاطبتها أسهل. أين ستذهب؟ ليس لها أحد غيري. اتركها ستأتي إليك وحدها ولن تسألك عن المال، وإن سألت معي كرت أحمر: التهديد بالضرب. وإن لزم الأمر الضرب فعلا، وينتهي النقاش. أنا رجل وهي امرأة، وهذا زمن الرجال. لا تشغل بالك، نم.
وراء أحد المكاتب المكتظة جلست ترسم صورة للمستقبل: بيت صغير جميل في منطقة ريفية هادئة. زوج حنون يملأ البيت حبا ودفئا. أولاد يمرحون في الحديقة ويتقافزون كالفراشات. مسحت دمعة تدحرجت دون إرادة على خدّها، وقالت: ياه، كدت في غمرة المشاكل والأحزان أن أنسى هذه الفتاة، أين ضاعت مني؟ عليّ أن أستردها.
◄ آمال سلامة
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ قصة قصيرة
- ● وماذا بعد؟
- ● النظّارة
- ● خرابيشُ خطّ
- ● بقرة حسين
- ● تاريخ