عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هدى أبو غنيمة - الأردن

ومضات البرق + منبر الريش


هدى أبو غنيمةومضات البرق

تدفقت السيدة بحديث ودي، مع زميلات وزملاء العمل في الشركة الجديدة التي عملت فيها، أثناء حفل تعارف بين موظفي أقسام الشركة ومديريها الجدد.

لم تعبأ كثيرا في الاجتماعات المتتالية بومضات البرق المنبعثة من أعماقها، التي تهيب بها ألّا تسترسل في التعبير عن أ فكارها المتجددة لغزارة مطالعاتها الثقافية المعرفية، بل تصغي إلى الآخرين أكثر من الاسترسال في الحديث، فمهارات التلقي عند الآخرين ليست متجانسة، والتحلي بصفاء السريرة ليس صفة مستحبة دوما في مجتمعات الأقنعة، وميادين التنافس في المجتمعات الحديثة، التي أذهلتنا فيها التحولات القيمية في نفوس الناس.

بعد خبرات مضنية في التعامل والتواصل مع الآخرين، وملاحظتها لمن يسرق أفكارها وبعض جهودها من الزملاء أو الزميلات وبعض المديرين المباشرين ونسبتها إلى أنفسهم، بدأت تكبح جماح تدفقها في الحديث وحماستها في التعبير عن ذاتها ومشاريعها.

وفي لحظات تساوي عمرا، أصبحت أكثر استجابة لإشارات حدسها لتصغي إلى الآخرين أكثر من الاسترسال في الحديث، وتمعن النظر في وجوه الآخرين المتحدثين بوعي يتيح لها اكتشاف ما وراء الأقنعة التي التصقت بوجوههم.

بعضهم يتفاخر مغرورا مستعرضا إنجازاته، ومخفيا بصلافته خيبات خلفت ندوبا في نفسه. وبعضهم الآخر يتظاهر بمحبة الآخرين ونزاهته في دعم إنجازاتهم، وأقنعة القسمات تشبه كثبان رمل في صحراء جرداء.

حينما أتيحت لها إجازة قصيرة واختلت بنفسها واسترجعت ما مرت به من خبرات ومواقف أقلقتها، تحسست وجهها وهي تحدق في المرآة لتكتشف أنها اكتسبت قناعا جديدا.

= = =

منبر الريش

تنادى المؤتمرون لاجتماع يأتلف فيه المختلفون لمراجعة السلبيات من أجل تحقيق وحدة العمل الوطني لتضييق الفجوات التي تعيق الارتقاء بالوطن.

لم يتح المجلس للحاضرين مسافة حرية في الحركة. وكلما تحرك أحدهم اصطدمت يده أو قدمه بالآخر الجالس بجانبه، أو كاد رأسه يصطدم بالمقعد الذي أمامه أو برأس الجالس أمامه. لكن الفجوات الفكرية والوجدانية بين معظم الحضور بدت أكثر اتساعا من المكان الذي جمعهم.

لم يكن أحد منهم معنيا باستيعاب ما يقوله المتحدثون على المنبر بقدر ما كان ينتظر دوره ليعتلي المنبر، منشغلا بتلقي ما يريد حسب إطاره المعرفي، وطموحاته في إبراز موهبته في الخطابة.

ضقت ذرعا بالجو الخانق في القاعة، ففتحت النافذة التي بجانبي، ورحت أراقب سربا من النمل يخرج من شقوق النافذة ويسير على أطراف النافذة بانضباط، وكأنها تحمل قوتا إلى وجهة ما. وكلما تعثرت إحداهن، تلقت مساعدة من مرافقاتها.

أمتعني المشهد وأنعشتني نسمات منعشة والشمس تتهيأ للمغيب، لتشرق على عالم آخر من الأرض التي نعيش عليها، وبضعة عصافير تطير لتأوي إلى أعشاشها في الشجر المزروع على الأرض المجاورة للمجلس.

حينما عدت لمتابعة الحديث لم أر إلا عددا قليلا من الحضور وعرف ديك وريش على المنبر والمقاعد، وغمامة ريش تحجب أضواء القاعة وتحط رويدا رويدا على المقاعد.

خرجت مسرعة إلى الحديقة المجاورة للمبنى وأنا أنفض عن رأسي وكتفي ما علق بهما من الريش المتناثر، وأصوات بعض من بقي في القاعة تطرق سمعي وهم ينشدون في نهاية الاجتماع موطني موطني.

D 1 أيلول (سبتمبر) 2021     A هدى أبو غنيمة     C 4 تعليقات

4 مشاركة منتدى

  • ما أن فرغت عيناي من القراءة ، وتوقفت عن المتخيل القصصي ، حتى عدتُ للقراءة من جديد .. لست هنا في دور الناقد لأستاذة في النقد ، وهي الأستاذة والنقد ، الزميلة الروائية والقاصة هدى أبو غنيمة ، ولشد ما أدهشتي في القصتين ، هو كسر حاجز التوقع عند القارىء ، ما يعطي دلالة تمكن القاصة هدى أبو غنيمة ، بتخدير القارىء بجمالية اللغة والصورة الخيالية الخاصة بكاتبتنا ، وعندما تتيقن من استسلام القارىء لكل الجماليات المتخيل والحقيقي ، لتهزء القارىء من الخدر الجمالي إلى الجمال الحقيقي في الخاتمة ، والعودة ثانية للسطر الأول من القصة .
    تهاني للزميلة هدى أبو غنيمة على نجاح وتميز هاتين القصتين .
    ( محمد عارف مشه )


  • رسالتان مهمتان تنشد الصديقة هدى ابو غنيمة توصيلهما لنا:استمع اكثر مما تتحدث،والمهم هو تقارب القلوب والعقول قبل تقارب الكراسي.رمزية العرف موحية،والاسلوب منساب ممتع


  • تحياتي وتقديري للاستاذة الراقية هدى.
    اكتسبت قناعاً جديداً :لقد تعلمت كيفية التعامل مع مجتمع الاقنعة .القناع الجديد يمكن ان يحميها من نفسها الطيبة لكي لايتم استغلالها فيما بعد.
    الشمس تتهيأ للمغيب لتشرق على عالم اخر أحببت العبارة لانها تمدنا بالامل .مامن شيء ثابت على الارض حتى الشمس التي تهبنا من نورها هي غير مستقرة وكذلك نحن.


  • تحياتي دكتور بلال الجيوسي شكرا جزيلا لمرورك اللطيف ودمت بألف خيرتربويا ومثقفا لامعا


في العدد نفسه

كلمة العدد الفصلي 22: حرية المطالبة بمصادرة الحرية

كتابة الرائحة للدكتور رضا الأبيض

زمن العزلة القادمة

الماء أمان: عرض كتاب

تعويض