ما إن وطئت قدماي تلك الأرض الباذخة الخضرة، حتى انطلقت أركض في فضائها بخفة طائرة ورقية بين يدي طفل. توقفت عند كومة قش، لم يكن وجودها متوقعا ومتسقا مع ذلك المشهد، بل بدت لي مثل لمسة فنية في لوحة يظهر اختلافها وتناقضها مع ما حولها جمال المشهد.
ثمة رسائل مهمة في الأشياء التافهة، قد تضيف طرافة أو انزياحا فنيا إلى الصورة غير متوقع، يرتقي بمشهد ما إلى مستوى الفن. تماما كما في مشاهد الحياة، إذا ما نظرنا إليها بعيني فنان.
لم أستطع تفسير رغبتي العارمة في أن أدوس تلك الكومة بقدميّ، لأستمتع بصوت (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > قصة قصيرة
قصة قصيرة
المقالات
-
كومة قش
25 آذار (مارس) 2014, ::::: هدى أبو غنيمة -
نجمة حرة
1 نيسان (أبريل) 2008, ::::: ربا الناصرمن بين النجوم، اتخذت موضعا لك، لتطلي عليّ من بعيد – على غير عادة منك – مراقبا لحركاتك العفوية، فأراك تهمسين في أذن النجوم تارة، وتتضاحكين مع القمر طابعة على وجهه قبلة قرمزية، فترسمين البسمة على شفاهه تارة أخرى. رأيتك هناك تسبحين وسط رائحة الأزهار الخالدة، تحومين في فلك واسع، بدون قيود تحكمك كما كنت هنا. في أرض الواقع، هذه الأرض التي أسكنها جسدا، هذه الأرض التي أتأمل صفحة سمائها، قارئا سطورها التي تكتبينها، كأن حياتك لم تنته عند شاهد قبر، أقرأها ونور القمر يغمر وجهي، متناسيا معك عالمي الجامد، (…)
-
قـرطـان
25 تشرين الأول (أكتوبر) 2015, ::::: هدى أبو غنيمةلم أكد أقطع الشارع إلى الرصيف المقابل، حتى فاجأني زعيق منبه سيارة مسرعة يقودها شاب أرعن. اندفعت إلى الرصيف بسرعة أخلت بتوازني، فتعثرت وارتطم جبيني بواجهة زجاجية لمتجر مجوهرات.
خرج صاحب المتجر ومساعده لاستطلاع الأمر، خشية أن أكون قد أصبت بجرح، ودعواني لأستريح ريثما ألتقط أنفاسي، ثم قدما لي كأس عصير كنت بحاجة إليه بعد أن كنت على قيد ثوان من الموت دهسا.
جلست أتأمل المعروضات بين رشفة وأخرى، وقد لفت انتباهي قرطان ذهبيان مرصعان بأحجار الزفير والعقيق واللؤلؤ لخارطة فلسطين. كنت قد رأيت نماذج (…) -
كلاسيكيّات (مكتوب) آي تي
25 حزيران (يونيو) 2011, ::::: أمل النعيمياعتدنا أن نعنون الرسالة (أو المكتوب كما يحلو للبعض أن يسمّيه) إليه أو إليها. لكّني اليوم سأترك لك الخيار فيما تحب أن أخاطبك به في زمن صارت الرسائل جزءا من تاريخ ولّى، وأضحت خواطر المحبّين رسائل إلكترونية يحتضنها الحاسوب بأنامله الباردة، ويقرأها أو يشطبها المرسل اليهم بأنامل أصبحت أكثر برودا، وانخفضت إلى ما تحت الصفر أسباب التعلّق بالحياة وديمومة الحب والتشبّث بالأمل. صار القلق طارقا مزمنا لأسوار القفص الصدري. ربّما لا تبدو المقدّمة مناسبة بعد غياب طويل طويل، وفي يوم كهذا أجلسني على طاولتي (…)
-
قطار الأنفاق
1 حزيران (يونيو) 2008, ::::: غادة المعايطةتوقف قطار الأنفاق في محطة فكتوريا المزدحمة وسط لندن. خلال ثوان ابتلع الركاب من الرصيف وغادره آخرون في أمسية سبت شتوية. حظيت بمقعد فارغ في إحدى العربات، وطالعت الوجوه: بيضاء، سمراء، حنطيه. حقا هي مدينه كونية تستحق وبجداره لقب (قلب الأرض).
انتقلت ببصرها إلى تلك الجموع الملونة الحالمة بهامش من رغد العيش على ضفاف نهر التايمز. ترى ماذا تهمس تلك السيدة السمراء المتأبطة ذراع ذاك الرجل الستــيني الأبيض؟ وتلك الصبية الجالسة أمامها مباشرة، ترى بأي لغة تتحدث وذاك الشاب الذي ينصت لها باهتمام على غير (…) -
شهادة
24 آب (أغسطس) 2013, ::::: لطفي حتيرةخذ نفسا عميقا. شهيقا وزفيرا. تخيّل نفسك تركب حمارا أو بغلا تجوب به طرقات المدينة. بين السيّارات والحافلات وتسابق به الدرّاجات الناريّة والعاديّة.
خذ نفسا أعمق وأعمق. شهقات وزفرات. تخيّل نفسك تركب فيلا أو جملا يتهادى بك ويتمايل يمنة ويسرة. ملتفتا هنا وهناك. وعلى فمه كشكوشة بيضاء وهو يرغي ويزبد. تتقاطر من حين إلى آخر على الأرض بيضاء ناصعة.
خذ نفسا وتنفّس. خذ نفسا وتخيّل. خذ نفسا واركب فإن لم تركب فلا بأس أن تذهب راجلا حافي القدمين. عاري الرّأس. منتفخ القفص. متورّم البطن. تبوّل على نفسك (…) -
عابر جسر
25 نيسان (أبريل) 2012, ::::: محمد التميميكانت احدى ليالي كانون الباردة، وكنت أتجول في وسط المدينة، التي يوحى لداخلها أول مرة أنها مهجورة، كان الجو صحوا رغم برودته، كنت استعين على هذا البرد بمعطف جلدي وكوب من القهوة الساخنة.
توقفت على جسر قديم، عمره مئات السنين، يمر من فوق نهر يسير ببطء وهدوء حد الرتابة شأنه شأن سكان المدينة. خلعت احدى قفازاتي ومسحت بضع قطرات من الماء تكاثفت على حجارة الجسر المتعبة، وكأنما قد تعب من الوقوف كل هذه السنين حتى تعرقت حجارته. اقتربت منه وهمست خوفاَ من أن يسمعني أحدهم وينعتني بالجنون:
"من أنت أيها (…) -
رحـلـتـي فــي يــوم
1 كانون الأول (ديسمبر) 2008, ::::: غادة المعايطةلن أطيل عليكم، فقصتي طويلة جدا، ممتعة في أجزاء، وباعثة على الملل في أجزاء أخرى. اتفقنا إذا وكما هو واضح في العنوان أني سأحكي مشواري في اليوم الأخير، الذي بدأ صباح يوم بارد من أيام تشرين الثاني على الشارة الضوئية قرب تقاطعات مسجد الجامعة.
انتقلت بسرعة انتقال الأحمر والأزرق والأخضر من حقيبة الصبية الصيدلانية إلى يد بائع الصحف المرابط هناك منذ عقد أو أكثر، الذي يعيل أسرة مكونة من سبعة أطفال ووالدة مصابة بهشاشة العظام.
كان من المفروض أن أكون ثمنا لصحيفة الصباح ولكن الصبية الكريمة نقدتني (…) -
وجوه على جدار هرئ
25 كانون الثاني (يناير) 2015, ::::: زكي شيرخانلم يكن العثور عليه بالأمر الصعب. لمّا أخبرني صاحب المقهى التي أعتدنا اللقاء فيها كل جمعة بأنه لم يره منذ السقوط، توجهت نحو "الميدان". كان معروفا في المنطقة بسبب قِدمْ تواجده فيها واتخاذه، دائما، إحدى غرف دورها سكنا له. سألت عنه، فقيل إنه لم يعد يُرى إلا لماما. دلوني على سكنه.
دار تحدت الأزمنة الصعبة فبقيت، وإن كادت لتهوي. صعدت السلالم بعد أن سمحت لي صاحبة الدار العجوز. استمرت بإخباري، وأنا أرتقي، دون أن تكترث فيما لو كنت أستمع لها أم لا: "لا أدري ما الذي أصابه؟ منذ أشهر وحاله لا يسر صديقا (…) -
كعب عال
25 أيلول (سبتمبر) 2014, ::::: نورة صلاححيرة لفت الكلمات وازدحام ملأ السطور. من أين أبدا بلملمة خيوط قصة راقصة ولاعبة جيدة وأنثى متمردة ألبسها العمر ثياب النساء، وقلبها معلق بحياة الطفولة والنقاء؟
من لعبة الطفولة " الحجلة" تبدأ حكايتي، نجتمع أنا وبنات الجيران ونرسم خمسة مربعات ونتممها بدائرة كبيرة، نرمي حجرا أملس لينساب بخفة على الأرضية الخشنة، نقفز من مربع لآخر. نجاحنا أو فشلنا حدود الرسم وقياس المسافة قبل أن نزيح الحجر ليسبقنا للمربع الأخير، لعبة تدربنا عليها؛ أتقناها فاستطعنا أن نتقن الحياة وفن القفز عن همومنا مرة تلو مرة دون (…)