مضى الوجعُ ثقيلاً جداً وكان الصبرُ خلاله يخونني مرات ومرات ولم أكن أعرف للراحة سبيلا ولا منفذا، أجلس إلى نافذةٍ صارت أكثر من يعرفني ويفهمني ويتفهم كلّ الّذي كنتُ أشعرُ به.
ذلك الجسد الجميل أصبح فزاعة من العظام مكسوة بالجلد وعيونا غائرة هناك حيث لم تعد ترى شيئا سوى ما وراء ذلك السراب الذي صار يسكنها.
لا أدري لما تخطر في هذا الصباح المبلل بالندى صورة بيتنا في القرية حيث كان كل شيء بسيطا ونقيا ومفطوما على الفطرة، كنت لا أنام إلا بعد أن أراقب النجوم في السماء، اخترت نجمة من بينها أطلقت عليها (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > قصة قصيرة
قصة قصيرة
المقالات
-
ذاكرةٌ من دمّ
25 كانون الثاني (يناير) 2014, ::::: غانية الوناس -
مصير يوم
25 آب (أغسطس) 2015, ::::: طه بونينيكانت أشعّة الشمس تظهر على الأفق وتمتدّ لتغازل السماء الخجولة. كان خيط السكوت يخيّم على الشوارع النائمة، والنّاس يدبّون فوقها دبيبا، وكأنّما يخافون أن ينتهكوا حرمة الصباح.
خطا النّاس خطواتهم الأولى في هذا اليوم الجديد في سكون نفس وراحة بال، وكأنّ الله قد أودع فيهم من الدّعة والهدوء ليفتحوا صفحة جديدة في حياتهم المنهكة بالذكريات.
انتهى الليل وانسحب من الدّنيا كما ينتهي الطبيب من مزاولة عمله. وكان النّاس جُلُّهم في نظر الليل مرضى وقد استسلموا للكرى كما يستسلمون للدواء، ثمّ ينهضون في الصباح (…) -
ما زال وجهها عالقا هنا
1 حزيران (يونيو) 2018, ::::: نازك ضمرةبعد ظهر ذلك اليوم كانت الشمس تتجلى في سماواتها، تمشي الهوينا بطيئة، لكن غيمة داكنة غطت على أطرافها، فظلت شمسنا تسير بلا مبالاة بما يعيق تقدمها، شبورة تواجه قرصها، فتفرد السماء لها بالبياض، فنحس بغموض يوحش النفس، وسيخفف من إشعاعها، تعجز العين عن النظر لها، ولكم تمنيت أن تظل السماء صافية.
قبلها بساعتين عرف أنه خسر وظيفته بسبب لا يعرف عنه، كان مخلصا في عمله ويتقنه، ومحبوبا من زملائه، لم ينس أيام الفقر في طفولته، فظل طوال السنوات العشر الماضيات يقتصد ويوفر أثناء عمله.
يدخل الوزير الشاب (…) -
كاد المعلم
25 حزيران (يونيو) 2013, ::::: زهرة يبرمكاد المعلم أن يكون رسولا (1)
وقف أمام الواجهة الزجاجية لصالون بيته الأنيق ينعم بالنور الصباحي الممدود ملء فضاء الله. مكان صمم بهندسة خلاقة تسمح لأكبر نسبة من الضياء أن تغمر المكان. جلس في ركنه المفضل المطل على البحر يرتشف قهوته ويستقي أخبار العالم من التلفاز ومن الجرائد الورقية التي تصله يوميا والتي ما زال مخلصا لها لم يبدلها بالصحف الإلكترونية.
تلك طقوسه التي يبدأ بها يومه منذ إحالته على التقاعد كإطار سام بإحدى شركات البترول بالصحراء. استوطن بأقرب مدينة لريف مولده، وبها شيد منزله الفخم (…) -
عـاد الـضـائع
1 آذار (مارس) 2010, ::::: منال الكنديقرأ اسمها ضمن قائمه الموظفين في الشركة التي كان يعمل فيها كحارس. جذبه اسمها، ولم يعلم أن القدر بدأ ينسج خيوط لقائه معها. توالت الأيام صدفة وراء صدفة تقوده إليها. كان وحيدا ويتيما. لا أحد يسأل عنه. أحس بانجذاب إليها يفوق الوصف، انجذاب غريب لم يشعر به من قبل.
توفيت أمه، وبعد فترة قصيرة من وفاتها، تزوج أبوة مطلقة. جاءت الزوجة الجديدة وامتلكت الأب والبيت. رغم تجاربها بالزواج والطلاق وحرمانها من أطفالها، إلا أنها مارست قسوتها كزوجة أب عليه وعلى أخوته، وأخرجته من البيت، لتبدأ الحياة تطحنه (…) -
الغادية
1 حزيران (يونيو) 2017, ::::: فنار عبد الغنيجسدها الهزيل العجوز، الناتئ العظام، ذو الحدبة الضخمة البارزة، يتقدمنا جميعا. الداني منها يرى الحدبة الضخمة كجبل عظمي صغير، وهي تسير ببطء شديد، تقدم خطوة قبل الأخرى، فيتحرك الجبل العظمي ببطء. هي والحدبة تظهران كجبل هزيل، مركب من كتلتين عظميتين، تعلو إحداهما الأخرى، تتحركان معا وتتوقفان معا وتتقدمان معا وتعرقلان حركة الشارع.
هي جبلان بشريان يتوسطان الشارع الرئيسي في المخيم الذي يكون كعادته في مثل هذا الوقت، مزدحما بالمارّة من عمال بؤساء يسارعون الخطى للوصول إلى ورش أعمالهم قبل بزوغ الشمس، (…) -
لغة النوارس
26 شباط (فبراير) 2015, ::::: طه بونينيكان هناك رجل قليل الكلام دائم الابتسامة، بسيط الصورة، رثّ الهندام، يعمل إسكافيا في مدينة من مدن الجزائر الساحلية، كثيرا ما يُرى حاملا كتابا يقرأه. وإذا أتاه زبون، وضع كتابه ورحّب به ثمّ انكبّ على العمل فإذا فرغ منه عاد إلى كتابه.
ذات يوم أتاه رجل غنيّ، تبدو التعاسة في سحنته الصفراء الشاحبة. قَدم إليه ليسأله وهو يرجو أن يفتَكَّ منه قسطا من الحكمة تعيد الابتسامة لثغره. وطرح عليه سؤالا قديما، ما فتئ الناس يسألونه إيّاه:
"ما سرّ سعادتك رغم ..."
وتردد الغنيّ في إكمال كلامه، فأكمل الإسكافي: (…) -
أين المبيت؟
1 آذار (مارس) 2023, ::::: عبد الغفور مغوارتركت المدينة صباحا على أمل أن أصل إلى القرية مساء. عندما أقلعت الحافلة، كان همي أن أصادف سائقا يقلني إلى الدوار والسائقون كلهم كانوا في القرية من ممتهني النقل السري. عرباتهم المتهالكة كانت لا تصلح إلا لطرقات غير معبدة. ولم يكن لي أو لأي أحد سواي ممن تضطرهم الظروف للتنقل من وإلى الدواوير البعيدة بد منها.
أبطأت الحافلة أولا بسبب عطل ميكانيكي مفاجئ. وأبطأت ثانيا من أجل انتظار مسافرين قد يأتون وقد لا يأتون. وكنت مع ذلك التأخر أفقد الأمل في أني سأصادف أحدا من أولئك السائقين الذين أغلبهم يروحون (…) -
وطن غير مطهّر
1 آذار (مارس) 2020, ::::: نوزاد جعدانالوطن الذي اتقن صناعة المقصّات جيداً ولم يتأنّق ولم يسمع طرطقة أصابعنا وهي تقطع من ثوبه آخر خيط زائد، الذي كثيراً ما كنا نتسلى بسحبه ولفه على سبابتنا أمام خطب باعته الحادة، لم يعد يسمعنا.
أصابه طرش مفاجئ. ربما من قذائف الهاون التي أصمت آذان نصف أهل مدينتنا ولم يعد ينفع معنا سوى النباح؛ لذا تجدنا ننبح كثيرا، ليس ذنبنا ولكن بكل بساطة لأننا لم نعد نسمع.
هكذا ننبح على صفحات التواصل الاجتماعي. أمام هيئة الأمم المتحدة. أمام هذا العالم الأطرش، نباح، وفي أسمى حالاتنا زعيق طفل رضيع يبدأ ولا أحد (…) -
طعم الصبر
1 حزيران (يونيو) 2016, ::::: منى الحضريبضع سـاعات على موعـد الرحيـل ولدي الغالي. بضع سـاعات وأرحـل عنك، ولكنك أبـدا لن ترحـل عنّي. أنت معي وبين ضلوعي. كجـلدي، وبين عيـوني أينما كنت.
هكذا همس لنفسه ذلك الجالس على طرف سرير ولده الذي يغط في نوم هادئ، وكأنه يتحـدث إليه حديـث مشتاق أتعبه الشـوق. نعم حـبيبي أشتاق إليك وأنت جواري، أشتاق إليك كما لم أشتاق لأحد.
عُدت ومرت الأيـام و بيني وبين البعد سـاعات. بضع سـاعات ويبدأ عام طويـل من الوحـدة. نعم فأنا وحيـد من دونـك، ومن الحـنين، ولكأن الحـنين لم يخـلق إلا لنا.
عام جديـد منك ولك (…)