عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

منال الكندي - اليمن

عـاد الـضـائع


قرأ اسمها ضمن قائمه الموظفين في الشركة التي كان يعمل فيها كحارس. جذبه اسمها، ولم يعلم أن القدر بدأ ينسج خيوط لقائه معها. توالت الأيام صدفة وراء صدفة تقوده إليها. كان وحيدا ويتيما. لا أحد يسأل عنه. أحس بانجذاب إليها يفوق الوصف، انجذاب غريب لم يشعر به من قبل.

توفيت أمه، وبعد فترة قصيرة من وفاتها، تزوج أبوة مطلقة. جاءت الزوجة الجديدة وامتلكت الأب والبيت. رغم تجاربها بالزواج والطلاق وحرمانها من أطفالها، إلا أنها مارست قسوتها كزوجة أب عليه وعلى أخوته، وأخرجته من البيت، لتبدأ الحياة تطحنه بقسوتها وترميه من رصيف لآخر.

كانت له فطرة سليمة. الخير كان يغلب أي إحساس في نفسه بالحقد، فكان ذلك سببا في نجاته من قسوة الحياة.

بدأت قصته معها حين وصل إليه خبر المشاكل التي تواجهها في الشركة. كان بدوره يعاني في الشركة، وخرج منها مرغما، فقرر أن ينتقم من الشركة، ولكن قراره كان جزءا من خطة القدر الذي كتب كلمته ليجتمع معها ويفهم سبب شعوره نحوها.

نصحته بألا يفعل شيئا ضد الشركة، وأن عليه الابتعاد، فهو لا يزال في مقتبل العمر، ويستحق أن يكتشف الكثير في العالم. زاد حبه وتقديره لها.

كانت تتواصل معه لتطمئن عليه، إذ كانت ترى فيه شيئا ضائعا منها. بدأت تستمع لمعاناته، فتداوي جروحه، وتمسح دموعه. مدت يدها له ليجتاز جسر الحياة، ويتحول فيها من مجرد حارس إلى طالب مجتهد في قاعات الجامعة، والتحق بالدورات التدريبية واعتلى منصبا حسنا في عالم الإدارة.

لا تزال تذكر صورته وهو على دراجته يحوم منتظرا طلتها مع شروق الشمس ليسلم عليها، ويسمع دعاءها له، ويرى ابتسامتها وهي تقول له إنها مؤمنة بأن الكثير من الخير ينتظره.

وفي الحادي والعشرين من مارس، اليوم الذي يحتفل العالم بعيد الأم، اتصل بها ليحدد موعدا لمقابلتها، وبعد الاتفاق عليه فاجأها بإلغائه في آخر لحظة.

عند وصولها إلى البيت، فوجئت بوجوده وسط أسرتها، محضرا الكعكة والورد، احتفالا بعيدها، فهو ضالتها التي ضاعت منها، وهي الأم التي اعتقد أنه فقدها.

طبع على جبينها قبلة تقول لها حمدا لله على سلامتك يا نجمة أضاءت لي الطريق، وكبرت على يديها، وتعلمت منها أن الحياة مهما أقفلت أبوابها، ومهما كان النفق طويلا، نصل إلى نهايته ونبصر نورا، فينبعث الأمل فينا، ونبدأ من جديد. وكل يوم وأنت أمي.

D 1 آذار (مارس) 2010     A منال الكندي     C 0 تعليقات