في بناية غير مكتملة، تحت التشييّد، ليس بها أبواب، تفتح من جهة واحدة لتطل على الشارع الإسفلتي الخفيف الحركة، الطوب الأحمر الغاطس في كتلة الأسمنت على شكل مربعات وسطور كأنّما أمامك كراسة حساب كبيرة هو بالضبط ما يمثل العلامة البارزة التي تنبئك بالمكان فلا تخطئه أبدا.
النوافذ مغطاة بجوالات من الخيش تتدلى من أعلى إلى أسفل وأحيانا تترنح مع الهواء لتكشف ما بداخل الغرفة، ولن تجد سوى عناقريب فقدت صلاحيتها، جركانات مملوءة وأخري فارغة، طرابيز حديدية قصيرة السيقان، مقاعد مهترئة، وطشت يتوسط مساحة (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > قصة قصيرة
قصة قصيرة
المقالات
-
جديبة وتسقي حقل الليل
26 كانون الثاني (يناير) 2016, ::::: حاتم الشبلي -
المسافات تغادر مواقعها لاحقا
25 آذار (مارس) 2013, ::::: حاتم الشبليبألق وتوهج استلقت علي الكرسي المجاور. كان الجو في الغرفة حارا، والمكتب البني تفرقت علي سطحه أوراق مبعثره وجهاز كمبيوتر شخصي تنبعث منه أغنية رقيقة لأمال النور. ابتسمت، وحالا انطلقت نظراتي الليزرية تتأمل في مواضع منتخبه في جسد اللوحة. تذكرت صديقي الذي يمازحني دائما: نظراتك مسمة. اشتبكت الكلمات مع بعضها وانشغلت عنها بمعاينة اللوحة، اعيين نفسي علي ذلك ببعض الكليمات النازحة، كلمه يتيمة أخرجتني من خشوعي. قالت: "زوربا".
"نعم، زوربا". قالت: "أكيد في قصة ورا الحاجة دي".
بكل تأكيد، فهو قد روى (…) -
أغنية التسكع
26 تشرين الأول (أكتوبر) 2011, ::::: نوزاد جعدانالموسيقى خافتة الليلة، لمْ تدقّ الساعة الثانية عشرة بعد، فاليوم هو عيد رأس السنة وفرحان على معدة خاوية بقدميه النحيلتين يجلس تحت ظل شجرة تقيهِ من رذاذ الوابل، يفكر تارة بماذا أذنب ليحيا كما تحيا الماشية، لا يملك شيئاً ليعيش في سبيله أو غاية ليموت في سبيلها.
في ذروة تفكيره هزّ صوت انفجار وصراخ وهتاف مضجع فرحان، فهاهم البشر يحتفلون بميلاد عام جديد ووفاة عام قديم، كم أنتَ سخيف أيها الإنسان!
ردد في خلده وقام من مكانه ليتسكع كعادته، تقدم وتأمل أشجار الميلاد الجميلة القد ودقّق في الألعاب (…) -
سطور من أجلها
1 آب (أغسطس) 2010, ::::: صفاء صيدتدخل تلك الصّحفية العشرينية مكتبي ثانية ولكن ليس بالوجه الذي خرجت به. أقترب منها أسألها عن سبب حزنها فتجيبني بصوت باك: "لا شيء."
أعدت طرح السّؤال عليها فأجابت: "كلّ ما في الأمر أني متعبة."
ابتسمـتُ وأنا أعلم أنّ ذاك ليس السّبب الحقيقي ليرتجف جسدها بتلك الطّريقة وتبكي كأمّ فقدت صغيرها.
لم يكن يهمّني أن أعرف ما بها بقدر ما كان يهمّني أن أرى الدّمع يجفُّ، فمن أكره اللحظات عندي أن أرى امرأة تبكي. ربّما لأني أخاف من ذاك الموقف. فكم من امرأة بكت فحطّمت بيوتا! وكم من امرأة بكت فأدخلت كثيرين (…) -
المحمية
1 نيسان (أبريل) 2009, ::::: منجي العيساويكان مارّا من أحد أسواق المدينة العتيقة تدفعه جموع المارّة يمنة ويسرة، وكان العرق النّاز يثير لديه رغبة التقيؤ لولا فسحة الطّيب التي تنبعث من مجامير الباعة. رماه التدافع أمام دكّان أحدهم. رآه يقنع جمعا من السّياح بشراء بضاعته. دفعه الفضول والطمع في أن يراود أحد الشقراوات، فقد تشفق عليه أو تحبّه فتأخذه معها إلى بلادها، إلى الالتصاق بهم أكثر .ولكن ما استرعى انتباهه هو تدافعهم إلى العقارب المحنّطة بين دفّتي أغلفة الشرائط الموسيقيّة وإقبالهم على شرائها إقبالا فاق توقّع حتى صاحب المحلّ.
عندما (…) -
وجوه ملونة
26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, ::::: إيناس ثابتمات سالم أحد أثرى رجال القرية وأسوأهم. أوصتني أمي بذرف الدموع وتصنُع الحزن ووضع غطاء أسود على شعري لتعزية بيت المرحوم، أنا التي أمشي بلا غطاء رأس دون كل بنات القرية حتى وصِفتُ بعديمة الحياء. عنفتني أمي لهذا السبب كثيرا وكانت تقول إن غطاء الرأس عفة وصون للفتاة وتشد على ذلك، ولم تحرص على صون لساني وعفة قلبي بقدر حرصها على صون رأسي، أما أنا فكنتُ أصلي ولا أكذب ولا أسرق ولا أخدع وكان ذلك كافيا في نظري.
وضعتُ غطاء الرأس إجبارا عند اقترابي من دار المرحوم، ولما لم تكن لي القدرة على ذرف الدموع (…) -
هوى سادس وفتان
1 آذار (مارس) 2008, ::::: بسام الطعانالعالم كله من حولي مبتهج بالربيع الذي يأتي بنسائمه ووروده، ويمنح راحة النفس والبال لكل خلق الله، وأنا وحدي شارد وحزين، ونفسي حقيبة مكتظة بالكآبة والحسرات.
في يوم من أيامي الحيارى، هربت من مارد الشقاء، ومن قسوة أهلي عليَّ، درت في الجهات من غير بوصلة أو دليل إلى أن جاء الأصيل، وكان التعب وقتئذ قد هزمني وأحالني إلى كومة من لحم.
جلست على ضفة نهر حزين مثلي، يتدفق بعسر ومحتقن بنفايات الصرف الصحي، ضمدت جراحات عمري، ومع لفافة أشعلت فتائل أحلامي، نفثت الدخان فانتشرت من حولي دوائر زرقاء، وفجأة (…) -
مرآة تحدث نفسها
1 أيار (مايو) 2011, ::::: هند السامرائيصحوت من يقظتي قبل بزوغ فجر غابت تواريخه، وانتفض في صدى الكلمات.
فتحت عيوني انظر لكل شيء حولي. لم أجد جوابا مقنعا لسؤال لم أنطقه: أين أنا؟
في بعض اللحظات يبكينا وصول الخطى المستعجلة، ونبدو أسرى في سجون الذات.
كلي إصغاء ولا متحدث غير الصدى، وهواجس الساعة المحدقة بي، التي أتعبها الغثيان، ونال من عزيمتها الوقت الساهر.
في بضع كلمات قالها قبل أن يرحل. ما سمعته منه حيا ردده منكوبا قبل الموت.
أعاين الريح. أسألك كم كانت الرحلات عاريات؟ في فراشك تذوب في صداها الكلمات.
يا ابتهال الصبح، (…) -
الأقدام العارية لا تنسى
21 آذار (مارس) 2016, ::::: ظلال عدنانورق أيلول الأصفر، الهش، يملأ طريقي. طريق العودة من المدرسة. تماما كما تملأ الانكسارات طريق أحلامي. تماما كما هو لون خيباتي الهشة التي تتبدى لي كلما ناظرتني أصابعي بارزة من شقوق "بوطي" المهترىء.
اليوم قررت أن أتحدى نفسي، سأثبت لها أنني أقوى من رغباتها: حين أصير جوار الدكان، سأستمر بالمسير، مثبِّتا نظري نحو الأمام، لن ألتفت إليه، لن أسمح لعيني أن تسترق النظر إليه معلَّقا تداعبه الرياح، ولن أمنح ذاك "البوط" فرصته المتكررة في إذلالي حين أقف أمامه، صامتا، مذهولا، مبهورا، لا ترف عيناي عن مقامه (…) -
رقابة
1 حزيران (يونيو) 2021, ::::: فراس ميهوبوصل هذا الصباح، مبكرا كعادته، طلب من حاجبه فنجان قهوة:
= على الرأس والعين، تكرم يا أستاذ، خمس دقائق ويكون جاهزا.
استقر الأستاذ مصطفى بالكاد على كرسيه المريح، تبعه سكرتيره:
= اتصل مكتب السيد الوزير، طلب لقاءك في الخامسة عصرا.
أشعلَ سيجارَه الفاخر، رفع عن رأسه طاقيته الصوفية الحمراء، أخرج مرآة دائرية من درج مكتبه، تأمَّل بثقة عالية وجهه الورديَّ الممتلئ وشاربيه الخشنين، أصلح ربطة عنقه، ابتسم لنفسه بخبث. تساءل في سرِّه:
= ماذا يريد السيد الوزير، هل سيعينني أخيرا معاونا له، أم سيزودني (…)