فجأة لمحتُ وجهها خلف نافذة القطار القادم من الشرق. كان الفجر قد انبلج للتو وقد غطى ضبابه صفحة النافذة، فبدا وجهها هو الآخر ضبابيا. لكنني أعرفه من بين كل الوجوه حق المعرفة. أقرأ خطوط عينيها ورشاقة أنفها وهلامية شفتيها ولو هبط ضباب الشمال كله.
اقتربتُ من النافذة يكاد القلب يرقص من شدة الفرح. أردت أن أصرخ أنني اشتقت وأن الانتظار قد فتّ عضدي، لكن فوضى المحطة وعواء القطار كانا كفيلين بخنق صرختي فأحجمت.
مددت يدي وأشرعت أمسح عن النافذة ذاك الضباب. أفزعني أن وجهها كان يتلاشى مع كل بقعة ضباب (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > قصة قصيرة
قصة قصيرة
المقالات
-
ضباب
1 حزيران (يونيو) 2021, ::::: محسن الغالبي -
ربات التمرد
1 نيسان (أبريل) 2007, ::::: رحاب الصائغمكتب المدير في الطابق السابع. غرفة مكيفة. سكائر من نوع جديد. تمر عليه بين الفنية وأخرى السكرتيرة بفستانها الزهري. تنفخ علكة أجنبية خارجة من فمها كالبالون. ترفع سماعة التلفون. وتعلن للمدير عن وجود ابنته غادة. قدماه يغوصان في الحذاء المبطن. يومئ لها برأسه المغطى بالشعر المصبوغ.
تدخل غادة كالأميرة. شابة وسيمة تعشق الكلاب، وتبحث عن أفضلها أثناء تجوالها في البلاد. بغنج تناديه: "بابا" تاركة عفويتها المتشحة بالعزلة، مثل غزال شارد يصعب صيده.
حدث أمر ما أمس، واليوم قلبي يلوك اللعنات على كل لحظة. (…) -
أربع قصص قصيرة
26 تشرين الأول (أكتوبر) 2011, ::::: محمد التميميشكرا...
اديش كان في ناس
عالمفرأ تنطر ناس
وتشتي الديني
ويحملوا شمسية
وأنا بأيام الصحو وما حدا نطرني
كلمات سمعها بصوت فيروز لتلامس جرحا لم يندمل بعد. أطرق قليلا ليستمع للأغنية، ولكن ذكرياته أخذته بعيدا في الماضي، فتذكر المرة الوحيدة التي كان ينتظره أحد فيها تحت المطر.
كانت امرأة حسناء وكان هو صغيرها. لقد كانت أمه. انتظرته تحت المطر حتى يخرج من المدرسة. كان سعيدا جدا بوجودها، ورغم رداءة الجو إلا أنه تمنى أن تدوم هذه اللحظات للأبد.
بحث مجدداً في ذاكرته المملوؤة بالحزن. فلم يجد (…) -
أفراح قصيرة
1 آذار (مارس), ::::: تسنيم حسنأنا رهف من شمال غزة، اليوم علينا المغادرة نحو الجنوب؛ بالأمس تم تدمير منزلنا إثر سقوط صاروخ عليه.
بتنا ليلتنا بين الأبنية المدمرة والدخان وصوت البكاء والقذائف المنهمرة من كل مكان. في الصباح بدأت رحلتنا نحو الجنوب احتضنني أبي وقبلني وأوصى أمي بي وبجدي وجدتي.
كان الجميع يبكي بحرقة وألم وكنت خائفة فتعلقت برقبة أبي ولم أرد النزول من بين ذراعيه، أخبرني أنه عليّ الذهاب مع أمي؛ قلت: احملني لا أريد المشي،
أجابني أنه لا يمكنه الذهاب معنا، "على الرجال أن تموت مرفوعة الرأس".
لم أفهم ماذا قال (…) -
هو وصباح وجاسم
1 آذار (مارس), ::::: زكي شيرخانكيف يمكن لمن تدلى من سقف لأكثر من ساعتين، مربوطاً من رجليه ومقيد اليدين خلف ظهره أن يتذكر من بين آلاف الوجوه التي انطبعت في ذاكرته عبر مراحل حياته المتعددة هذه العاهرة التي لا يتذكر كم من السنوات مضت على لقائه بها لساعات معدودة هي ما تستغرقه الرحلة بين بغداد والبصرة؟
هوت، مُختارة من دون كل المقاعد، المعقد المجاور لمجلسه. لم تكن بحاجة للتأفف كي تعلن عن وجودها إلى جانبه، فما فاح من عطرها أدى المهمة بنجاح. حياؤه الذي لازمه منذ طفولته منعه وكالعادة من أن يستدير نحوها. تحيتها التي ألقتها عليه (…) -
حالة رجل متقاعد
1 آذار (مارس) 2019, ::::: زكي شيرخانكبر الأولاد. انهوا دراستهم. انسلّوا تباعا من البيت. تزوجوا، وأنجبوا. صار كل منهم في مدينة أقربها إليه تبعد مسيرة تستغرق وقتا طويلا بالسيارة أو بالقطار. لم يعد يراهم وأحفاده إلا لماما، وربما مر عام دون أن يلتقوا. صار يعرف أخبارهم من أمهم التي تتصل بهم كثيرا. لم يكن يشكو، أو يتذمر. "هكذا هي الحياة": هذه هي قناعته التي يرددها. "كلٌ له مشاغله ومشاكله": هكذا كان يبرر للآخرين، قريبهم وبعيدهم.
هذا يومه الأول من رحلة تقاعده التي لا يعلم متى تنتهي. أربعون عاما قضاها في الوظيفة التي صار ملما بها إلى (…) -
ما لم تكتبه جودي أبوت
25 آب (أغسطس) 2015, ::::: غانية الوناسعزيزي،
لم يكن الوقتُ قد حان بعد للنهاية، حين تراءت لي تلك المسافة الفاصلة ما بين دفء الحلم، وبرد الواقع، لم أختبر يوما إحساس البتر بمعناه الكامل، أنا المبتورة منذ بدئي، كجذعٍ لا شجرة ينتمي إليها، ولا غابة يركنُ إلى دفئها في المساء وحيدا.
لم أدرك ذلك إلا حين قررت فجأة عدم جدوى المضي في خلقِ الأمل من الحبر، وجعله مخلوقا يتمشى على الورق، كانت تلك طريقتي في التمهيدِ لإسدال الستائر، فلم يكن المسرح يوما هوايتي، ولا الوقوف بثقة موهبتي. أنا الغريبة الوحيدة دائما.
كنتُ أثق دائما بالوقت، أتصدق (…) -
مرشّح ميت
1 حزيران (يونيو) 2019, ::::: زكي شيرخانكالعادة، بتكاسل وبصعوبة، نزع نفسه من السرير. للحظة فكّر أن يتصل بمديره ليطلب إجازة. من المؤكد أن الرجل لن يرفض. هل يستطيع؟ تخلى بسرعة عن الفكرة، ليس حياء لأن الأمر تجاوز حده، ولكنه لم يكن يعرف كيف سيقضي يومه. على الأقل في مكان عمله يمر الوقت أسرع.
"عليك أن تحمد ربك على أنك حصلت على وظيفة بينما مئات الآلاف من الشباب من أمثالك يتسكعون في الشوارع". هكذا كانت تجلده أمه في كل حين. والأكثر إيلاما كان عندما تُذكّره: "يجب أن تكون ممتنا لأبن عم أبيك سلمان الذي توسط لك للحصول على هذه الوظيفة".
"يا (…) -
فنجان الكابتشينو
1 آذار (مارس) 2022, ::::: زكي شيرخاناعتاد، صباح كل يوم، وقبل أن يباشر عمله، أن يجلس في المقهى القريب من مقر الشركة التي يعمل بها، ليرتشف فنجان كابتشينو. هذا ما يمارسه كل يوم، وعقله يرفض أن يسميها إدمانا لكراهته لهذه المفردة. الأيام التي تحرمه هذه المتعة هي أيام العطل. بات موقنا أن إيميلي (Emily) هي خير من يعدها. هو لم يتذوق أطيب منها في مكان آخر.
إيميلي التي تعد المشروبات الساخنة في هذا المقهى، شابة ثلاثينية. جميلة. وجه مشرق. جسم متناسق، وشعر كستنائي بتجاعيد خفيفة. لا تضع أيا من المساحيق على وجهها، ويظنها، في قرارة نفسه، (…) -
الـغـزو
1 آذار (مارس) 2008, ::::: رامي أبو شهابيبدو هذا الليل ثقيلا كجيفة باردة تنتظر أن تتحلل و تذوي، الفراش الرطب، أعقاب السجائر التي تحاذي الغطاء وقد فاضت عن منفضة السجائر كجثث ساقطة على أسورا طروادة، غير أنها هنا تستلقي على الأرض الإسمنتية الباردة ، كوب من الشاي لم يتبق منه سوى رشفة صغيرة غالبا ما أنذرها للريح المنسابة من نافذة تطل على زقاق مغلق فتتعفن بعد يومين من تركي لها كما أتعفن أنا هنا والمدينة هناك تصخب برذاذ البحر وهو يطأ أجساد النساء فينتعش البحر ويصخب .
تبدو هذه الليلة أطول من مثيلاتها، وأنا غير قادر على استحضار النوم من (…)