عائدا كنتُ من حي البارودية بعدما طالت السهرة مع أصدقائي، سلكت شارع المدارس، وظلام الليل قد أوغل، والساعة تخطت المنتصف، أنوار الشارع عجزت عن تبديد كتل السواد الممتدة، فبدت الأشجار معانقة أسوار المدارس وتوحشت ظلالها فظهرت ككائنات خرافية مهتزة ؛ مع تلاعب الريح بالمصابيح.
ثمة رجل خلف سور المدرسة الثانوية الصناعية، اختار موضعه بعناية؛ بين شجرتين متعانقتين عند منحنى السور، اقتربتُ منه، ظله ضائع بين السور والشجر، لم يشعر بوقع أقدامي في السكون، ذراعه متحرّكة صعودا وهبوطا إلى فمه، وقد أحاطت أصابعه (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > قصة قصيرة
قصة قصيرة
المقالات
-
عرقي البلح
24 تشرين الأول (أكتوبر) 2013, ::::: مصطفى جمعة -
استكانة
1 آب (أغسطس) 2010, ::::: سالم ياسينجلس متهالكا من وطأة السّنين على ركبتيه الضّعيفتين، شاغلا مقدارا ضئيلا من زاوية المقعد، ومنشغلا بنظرات هائمة في أرجاء الغرفة، ولكن متابعا بصمت حوارا وديا يأخذ مجراه في بيت ابنته الصغرى، في زيارة هي الثّانية له منذ اضطررنا للانتقال للسّكن جنوبا لمتطلّبات الوظيفة.
اطمأنّ من مقتطفات الحديث أنّ الأمور تجري بمستقرّ لها في سير حسن، تاركا أفراد العائلة يجتهدون بالتّحضيرات لوجبة غداء مما تيسّر من حواضر المنزل، وهو يستحثّنا بالإسراع لأخذه إلى مقهى شعبيّ من مقاهي المدينة، من باب التّغيير الطّفيف في (…) -
غياب
1 أيلول (سبتمبر) 2019, ::::: نازك ضمرةبينما كانت الأحلام تداعب عينيه، لاحت حمامة من مكان بعيد تحوم، تتجه صوبه، تهدئ من تحليقها، وتهوي قربه أسفل غصن رطيب فينان. تظاهر بعدم الاهتمام حتى لا تخشاه أو تجفل منه، لكن أنظاره لم تفارقها، تخطف روحه وتتخدر حواسه، تطير مبتعدة ثم تحط في مكان أمام ناظريه، تسري برودة في أوصاله.
أحسّ أنه معلقٌ مع ريشها، وكلما اقترب سرى به دفء وطعم أمان، تشاغلت عنه في هديلها، صار يسلي نفسه بعدها، ينزع بعض ريش الزغب يلهو به، وينثره على روحه التائهة يسترها.
تصادفه والدته مهموما في المساء، تسأله عن شكواه، قال: (…) -
أسئلة
26 كانون الأول (ديسمبر) 2015, ::::: زكي شيرخان"كل شيء تغير في المدينة التي أعتدتها، هل أقول أدمنتها؟ الغريب أن أسمها بقي كما هو. شوارعها، ساحاتها، محلاتها ظلت محتفظة بأسمائها فقط. لا أدّعي أني لم أعد أعرفها، وأتوه في دروبها وأزقتها، لكن ينتابني حيالها ما لا أستطيع تفسيره.
"أنا غريب فيها. هل عليّ أن أصحح العبارة؟ هي الغريبة عني. شيء ما، أو بالأحرى، كم هائل من أحداث أذابت ما ربطني بها. قيدٌ كبّلني بها، فيما مضى، كنتُ أحبه. حتى وجوه أبناءها، أو من تبقى منهم، وهم قلة، لم تعد تعكس القها.
"يجتاحني شعور، وأنا أحث الخطى في شوارعها ذهابا (…) -
روكس والعالم الآخر
26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, ::::: أوس حسنكمن تسكنه بحار هائجة من النور، كان يرى الحياة واقفة على ساق واحدة، الليل والخمر والخريف، وأنين الشعوب المقهورة، كانوا زاده اليومي منذ زمن بعيد، لكن في الليلة الأخيرة التي قضاها واقفا على أنفه تراءت له الأشباح والظلال، وكائنات صغيرة من الدم والملح.
لم ينم في سريره هذه الليلة، لأن السرير كأي مادة أخرى تآمر عليه هو الآخر، ونبتت له إبرا طويلة وسكاكين جانبية حادة، والجدران التي قضى معها أياما جميلة، وذكريات ثورية حافلة بالكفاح والشعر، بدأت تضيق عليه رويدا رويدا، بعد أن نبتت لها قرون مدببة طويلة (…) -
حب بديل
1 نيسان (أبريل) 2009, ::::: كريمة الإبراهيميالحب هو ألا نقول أبدا إننا آسفون (اريك سيغال، روائي أميركي) . إنها تشبهني بما يكفي لأن تكون أنا. تساءلتُ مرارا وكلما اضطهدني الوجع: هل يمكن أن توجد أخرى مني صادفها الحب يوما ومنحتها الحياة متعة الرغبة لتتذوق طعم الأشياء؟ استبعد ت الأمر، أو بالأحرى كنتُ متأكدة من أنها حتى لو وُجدت لما كانت غير نسخة عني تطابقني في الألم.
لقد رمقتني بعينين صافيتين لا تخلوان من دهشة حين اصطدمت بها تخرج من دار أمل للحضانة. كانت تصحب طفلا جميلا، ما لبث أن سحب يده من يدها وركض نحو السيارة ينادي: "بابا، بابا." (…) -
دهــر مــن الـتـشـهـيـر (*)
1 كانون الثاني (يناير) 2010, ::::: إبراهيم يوسفعلى طريق الرّيف، مضت راز تجوبُ البراري، تنتقل من حقل إلى حقل، تجمع حبات القمح التي خلّفها الحصادون.
راز شابة في ربيع العمر، وجهها مشرق فاتن، قوامها ممشوق، وإرادتها صلبة لا تلين. نامت ليلة الأمس عند غياب الشمس، وأفاقت مع الفجر، نشيطة مقبلة على الدنيا، عازمة أن تنجز في أيام ما فاتها خلال الصيف، حين كانت مشغولة بجدتها، التي قضت إثر مواجهة شجاعة مع مرض طال وقته؛ فالخريف على الأبواب، ولم تنته بعد من تخزين مؤونة للشتاء، الشتاء الذي يخشونه فيتحضرون له جيدا.
جملة القول إن راز رصينة جادّة، (…) -
في انتظار المحاكمة
1 حزيران (يونيو) 2007, ::::: هويدا سليمالساعة تتجاوز الواحدة بعد منتصف الليل. أحس بالاختناق من حرارة الجو ومن أطواق الوحدة التي اخترتها لنفسي، فقد هاجر كل أفراد الأسرة هربا من الحرب والظروف القاسية للبلاد. كل هاجر في اتجاه، بينما رفضت أنا مغادرة الوطن مهما كانت الأسباب. قال لي أخي الصغير وهو يحزم حقائب هجرته قبل سبع سنوات:
"لقد آن لنا الانعتاق من هذا الوضع الشاذ. أكثر من عشرين عاما قضيناها تحت وابل الرصاص وفي ظل قانون الطوارئ. كنا نذهب للمدارس تحت وابل الرصاص. تخرجنا من الجامعات أيضا تحت وابل الرصاص. لم يعد لدي الاستعداد (…) -
ســر وثـعــالــب
1 نيسان (أبريل) 2010, ::::: بشير عمري=1=
فاجأني بعدما كشفت له لأول مرة عن موطني بأغرب سؤال سمعته وأنا أودعه مع أول صيحة لديك الجيران:
"ما رأيك في بلد بلا ثعالب؟"
"بلد بلا ثعالب، بلد بلا نفط."
أصعب ما في الإنسان غموضه، وأصعب منه تعابير لحم وجه الراقصة، إذ ولم أهتد لفهم سبب ابتسامة الرجل لما أجبته، أسخرية من إجابتي التي لم تكن طبعا أقل غرابة من سؤاله؟ أم من لون بشرتي؟ فهو يراني إذ أحدثه عبر شاشة الكمبيوتر فالأكيد ليس من الطاقية البيضاء التي أضعها على رأسي، ثم قال لي:
"إنها ثروة لكن نسر المحيط الأطلسي الذهبي خطر عليها (…) -
على حافة الحلم
24 تشرين الأول (أكتوبر) 2013, ::::: زهرة يبرمأقصى ما كان يتمنى وهو يرسل خامس طلب له إلى شركة البتروكيمياء المعتصمة على إحدى شواطئ مدينته، هو أن يحصل على عمل ضمن برنامج وطني لتشغيل الشباب براتب زهيد لا يتعدى خمسة عشر ألف دينار جزائري (*) في الشهر. لكن المفاجأة كانت كبيرة، وكأن أبواب السماء قد انفتحت له فجأة على مصراعيها في ليلة القدر، فكانت المكافأة بحجم الصبر وطول الانتظار. أجابته الشركة بالإيجاب، وفوق ذلك عينته موظفا في القاعدة النفطية الرئيسية لها، "تيقنتورين"، المتواجدة بالجنوب الشرقي على خارطة البلاد، وقلوب الشباب متعلقة بالصحراء، (…)