عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

عدلي الهواري

كلمة العدد الفصلي 18: التعليم الرقمي عن بعد


عدلي الهواري 2018يصدر هذا العدد من مجلة "عود الند الثقافية (الفصلي 18) متزامنا مع بدء عام دارسي جديد (2021/2020)، المتزامن بدوره مع عودة انتشار الإصابة بفيروس كورونا بعد فترة من السيطرة عليه، وتخفيف الإجراءات التي فرضت لتحقيق ذلك، وشملت إغلاق المدارس واللجوء إلى التعليم عن بعد.

الجدل حول التعليم عن بعد نشأ عندما أغلقت المدارس، وارتكز على محورين، أولهما المفاضلة بين التعليم وجهها لوجه وبين التعليم عن بعد، وثانيهما التفاوت في الوسائل الإلكترونية المستخدمة، إذ شملت تطبيقات التواصل، مثل واتساب، وبث دروس مصورة عبر التلفزيون. والقليل من المؤسسات التعليمية على ما بدا كانت مستعدة للتعليم عن بعد باستخدام منصات رقمية خاصة بذلك.

ذكّرني الجدل حول التعليم الرقمي عن بعد بآخر نشأ وقت ظهور الكتاب الرقمي، فقد برزت ظاهرة تقديس الكتاب الورقي، واعتباره تلقائيا مقياسا للجودة، والتقليل من شأن الكتاب الرقمي. افتقر النقاش للموضوعية والدقة، فكل كتاب ورقي من الفئة التي توصف بأمهات الكتاب وصدر قبل مئات السنين يمكن تصويره وتحويله إلى صيغة رقمية، وفعل ذلك لا يؤثر سلبا على الكتاب وقيمته، بل يزوده بجناحين يمكناه من الانتقال إلى أي مكان في العالم بسرعة مذهلة.

وأغفل الجدل حول الكتاب بصيغتيه الورقية والرقمية أمورا لا تخفى على كل باحث وهي عدم توفر عدد كاف من المكتبات في الدول أو المدن، وخاصة الدول النامية، وعدم إمكانية توفر كل الكتب في كل المكتبات، وكذلك كلفة شراء كل كتاب يحتاجه الطالب والباحث.

وعندما اكتسح العالم وباء كورونا، وأجبر الدول على إغلاق دور العبادة والمكتبات والمحلات التي لا تبيع الأدوية والمواد الغذائية، أصبح من السذاجة مواصلة الجدل حول مزايا الكتاب الورقي مقارنة بالرقمي. الكتب في المكتبات المغلقة صارت مثل الجثث في القبور.

ويبدو أننا في الدول العربية نحب تحويل القضايا المعقدة إلى ثنائية متضادة، ورؤية الأمور بالأسود والأبيض وعدم الاعتراف بوجود الكثير من الدرجات الرمادية بينهما.

للتعليم الرقمي عيوب كثيرة، وهو غير مناسب في سياقات متعددة، مثل تعليم الصغار، وفي التخصصات العملية التطبيقية. ولكن نطاق التعليم والبحث العلمي أوسع من ذلك، فهناك الكثير من المجالات التي لا تحتاج إلى مختبر. دارسو اللغات والتاريخ والعلوم السياسية والإنسانية وغير ذلك ليسوا بحاجة إلى مختبرات، بل تعتمد دراستهم على الكتب.

وبعض التخصصات كما نعلم عليها إقبال شديد بحيث تكون قاعات المحاضرات مليئة بالطلبة. وفي مثل هذه الحالات لا يستطيع الأستاذ أن يعطي اهتماما لكل الحاضرين. وبالتالي الحديث عن ميزة التعليم وجها لوجه صحيحة نسبيا، ولكنها تعتمد على عدد الطلبة في غرفة الصف أو قاعة المحاضرات.

كشف وباء كورونا أن الدول العربية غير مهيأة للتعليم عن بعد نتيجة عدم وجود البنية التحية اللازمة لذلك، بما في ذلك توفر أجهزة الحاسوب لدى كل طالب، وخدمة إنترنت يعتمد عليها في التواصل والمتابعة. هذا الأمر يحل بتخصيص المزيد من الموارد لبناء بنية تحتية تلبّي حاجة البلد ليس في مجال التعليم فقط، بل في مجالات أخرى، فأثناء فترة الحجر الصحي في النصف الأول من عام 2020 زاد الاعتماد على الإنترنت لشراء الاحتياجات من المواد الغذائية والأدوية، وكذلك للتواصل مع الأهل والأصدقاء أثناء العزلة التي فرضت على الجميع.

عدم توفر بنية تحتية رقمية مناسبة، وتفاوت درجة التطور بين المناطق داخل البلد الواحد قضايا تدعو إلى المطالبة بتوجيه اهتمام الدول إلى معالجة هذه الأمور بدل اعتبار ذلك أساسا للتشكيك في جدوى التعليم الرقمي عن بعد.

وحتى لا نكون محدودي الخيال بعد تجربة البشرية مع وباء كورونا، يجب أن نضع في الحسبان احتمال حدوث حجر صحي في المستقبل، وإغلاق المدارس والجامعات وكل الأماكن التي يتجمع فيها الناس. هل ستعلق الدراسة كل مرة لوجود بعض النواقص في التعليم الرقمي عن بعد؟

المنطقي والواقعي أن نتعلم من أخطاء التجربة الأولى والمسارعة إلى الاستثمار في البنى التحتية الرقمية ووضع الخطط لإدارة شؤون البلاد في مختلف المجالات ليس لأنه من المحتمل أن تتكرر حالات انتشار الأوبئة، بل ولأننا لم نخرج من مرحلة كوفيد 19 بعد.

JPEG - 37.2 كيليبايت
التعلم عن بعد
D 1 أيلول (سبتمبر) 2020     A عدلي الهواري     C 1 تعليقات

1 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

نازك ضمرة وداعا

لقاء آلي أدواتي: الزربية

الأب جلّاب والأم دولاب

حكاية باب

ودفنتُها في القمر