إسراء المنسي - مصر
مكتبات بلا زمان
لم يكن غريبا أن يصف الروائي الأمريكي، شيلبي فوت، المكتبات الجامعية قائلا: "إن الكليات الكبيرة والمباني الشاهقة التي تحيط بالمكتبة لم تنشأ إلا لحراستها وتسليتها، فهي المكان الذي تهفو إليه القلوب"، فهي نبض الحرم الجامعي وروحه،.
تتفاخر الجامعات الراقية برصد مبالغ سنوية كبيرة من ميزانيتها لتـوفر أحدث أوعية المعرفة الإنسانية المنشـورة في أشكالها المختلفة، وشتى الخدمات المكتبية والإعلامية والتوثيقية التي من شأنها تيسير الانتفاع بمصادر المعرفة لروادها من طلبة الجامعـة وأعضـاء هيئـة التدريس والمنسوبين والباحثين من خارج الجامعة.
وتهتم المكتبة بتعريف مصادر المعلومات وإتاحة البحث العلمي من خلال خدماتها الإرشادية ودعمها لخدمة الوصول الحر للمعلومات على شبكة الإنترنت والاتصال المباشر بقواعد المعرفة وبنوك المعلومات من أجل وعي معلوماتي بحركة الوصول الحر وآلياتها وتنمية مهارات الإفادة من التقنيات الحديثة لدى المستفيدين.
إن مستوى ومكانة وحجم مكتبة الجامعة وتنوع مصادرها أصبح عامل تسويق للجامعة مميزا لجذب الطلاب والباحثين وأعضاء هيئة التدريس أيضا. لذا لم يكن غريبا أن نسمع عن الحياة في المكتبة الجامعية على مدار 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، فمكتبات الغرب الجامعية كانت وما زالت مصدر إلهام آلاف الطلاب الذين حققوا نجاحات لافتة على كافة الأصعدة.
المكتبات هناك ليست مجرد رفوف تنام عليها أمهات الكتب، بل محتويات ومواد تصل إليها وأنت في منزلك عبر صفحاتها الإلكترونية وأماكن واقعية وافتراضية للنقاش والتعارف بين الطلبة، ومستودع معرفي للوصول الحر للدوريات والمجلات المتخصصة والنادر توافرها في أي مكان آخر.
على سبيل المثال، مكتبة بودلين داخل جامعة أكسفورد البريطانية التي تأسست سنة 1602 تضم بين أرجائها أكثر من 11 مليون كتاب تقليدي، ونحو 5 ملايين كتاب إلكتروني، ويعمل فيها نحو 430 موظفا. يقال في بريطانيا إن الباحث الذي لم يزرها أو المكتبات التسع المرتبطة بها ليس باحثا، بسبب أهمية المواد التي تكتنزها. والطريف أنه يتوجب عند زيارتها تلاوة تعهد شفهي بالمحافظة على مقتنياتها وموادها.
إن المكتبات في أوروبا وأميركا (ثقافة) يكتشفها الطفل الصغير في المدرسة، وتكبر معه إلى الجامعة، فيستخدم من خلالها اللغة الرقمية ويبحر في عصر المعلومات وعبر قواعد البيانات المتعددة ليصل لنتائج دقيقة في أبحاثه ويحقق رؤية أعمق في عالم سريع التغيير.
في المقابل ليست الصورة وردية على الإطلاق في عالمنا العربي، كما أنها بالطبع ليست قاتمة، فالجامعات تفتح أبواب مكتباتها يوميا من الصباح وحتى غروب الشمس، مع توفير بعض الخدمات والموارد لمساعدة الباحثين لإتمام الأبحاث العلمية، فقلة من المكتبات الجامعية، وخاصة المكتبات المركزية، صمم على أن يكون مزيجا من رفوف للكتب وقاعات للاطلاع وغرف للاجتماعات وقواعد بيانات.
ولكن أغلبها لا يتيح مرافق أو تسهيلات تجذب الطلاب إلى زيارتها فقط وليس البقاء فيها، فهي مبنية لجمع الكتب بين الرفوف كمخازن، فانخفاض أعداد الكتب في مكتبات الجامعات وتقادمها، وتدهور البنى التحتية للمكتبات، وعدم الوعي بأهمية مشاركة المكتبة كمستودع مؤسسي للإنتاج الفكري الصادر عن الجامعة، أدى إلى نفور الطلاب منها، فصارت مهجورة تعج بالغبار والضجر ولا تثير اهتماماتهم العلمية والبحثية. أضف إلى ذلك، عدم وجود استراتيجية تشجيعية من إدارات الجامعات لاستخدام المكتبة ومرافقها بشكل أكبر.
الحق أن العديد من الجامعات الحكومية في مختلف الدول العربية وفرت خدمة قواعد البيانات داخل مكتباتها، ويمكن التحقق من ذلك بزيارة المواقع الإلكترونية الرسمية لهذه الجامعات على شبكة الإنترنت، فالقيادات الجامعية تحاول اللحاق بركب التطور، لكن الخدمة المقدمة لم تصل إلى المستوى المطلوب، نظرا للقيود المالية والقانونية والتقنية التي تعجز أغلب الجامعات عن تخطيها وتلبية احتياجات المستفيدين مع توفير المسئول اللائق لهذه الخدمة.
سوف يعتقد القارئ الآن أن هذه السطور من باب (النقد)، ولكنها بلغة العصر على سبيل (الوَكْزُ). إن المكتبة (ثقافة) بحاجة إلى تأصيل. والآن المكتبة صارت متعددة الاستخدام والتقنيات التي تلاءم العصر، فهل سنظل شعوبا محرومة من المكتبات الجامعية وآثارها العظيمة على الفرد والمجتمع؟ أم سنبدأ في العمل الآن دون توقف لنفتح مكتباتنا الجامعية 24 ساعة، سبعة أيام في الأسبوع، لنحيي مجد أسلافنا، حيث وجدت المكتبات في الشرق حوالي 1250 ق.م، لتنتهي وتختفي أصداء تلك العبارة المقيتة من مكتباتنا الجامعية: "اجمعوا أغراضكم، سنغلق أبواب المكتبة بعد 10 دقائق".
= = =
المراجع
= أعمال المؤتمر الإقليمي حول التعليم العالي، القاهرة يونيو (حزيران) 2009.
= باتريشيا سين بريفيك، إي. جوردون جي، التعليم العالي في عصر الإنترنت. ترجمة: طارق عليان، القاهرة: المركز القومي للترجمة، 2014.
=جي جي تشاودوري وآخرون، مقدمة في أمانة المكتبات. ترجمة: أماني عبد الصمد، القاهرة: مجموعة النيل العربية، 2009.