عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » عود الند: العدد الفصلي 34: خريف 2024 » من القلب إلى القلب

إيناس ثابت - اليمن

من القلب إلى القلب


سر قلبي حيث أكتب. فلمن أكتب؟ ولِمَ أكتب؟

أكتب إليك يا سيدي البعيد، إلى قلبك العزيز: يسمعني ويقرأني، ينصت إلى همسات قلب شارد مبتلى بالعواطف يفتش في متاهات الكون عن قمر وحيد ينير له الدرب الطويل.

أيها السيد البعيد، صاحب القلب العميق. أكتب إليك بالصوت القادم من الأعماق، بالمشاعر المعتقة في طي الزمان، ومن عالمي الساكن إلى عالمك الناضر، فلقاؤنا دقائق حروف فرت إلينا من أديم الكون السرمدي. أبعث إليك رسائل من القلب إلى القلب، وبين الأسطر بوح وحنين، حزن وشوق، لهفة وخمائل ورد.

كل حروف الأبجدية، والمشاعر الطاهرة الرقيقة والفياضة تخترق كل المسافات، والأميال، والفراغ، والحضور والغياب لنحتفظ بالرسائل في مكان سري بعيد جدا، في إحدى زوايا القلب، حيث لا يطلع عليها الآخرون وتبقى زاهية كل العمر. رغم ما يقال يا سيدي ألّا ضمانة لقلب يتقلب، يحب ويبغض، يتذكر وينسى، في رحلته في الحياة المليئة بالتجارب والآلام، بالحب والآمال الضائعة والدموع السخية الندية. إلا أنني على يقين أن رسالة واحدة تصدر من أعمق نقطة في القلب ومن صميم الروح، ستتحدى الذبول، فلن تكبر أو تشيخ، ولن تجف أو تصدأ. رسالة صادقة تتنهد فيها مشاعرنا الجياشة وأصدق الأمنيات، تبتسم لها الشفاه وتردنا إلى عذب الـمُـنى وأنجم الطفولة الشهية. تُحفر على أغصان شجرة مورقة تأوي إلى ظلها شقشقات العصافير الصغيرة بألوانها الأنيقة والمبهجة، أو تحملها نُسيمات الريح الأليفة وعطر الفجر الناعم، تحرسها أجنحة الفراشات وتلملم عبيرها النحلات النشطة، أو تؤرشف في عناقيد الأحلام الهادئة، تهدهدها أجنحة الملائكة البيضاء المقدسة لتغفو على ريش ملون وثير ومرج أخضر ناعم، أو تغرد نغمات موسيقية وصلوات مؤمنة تقية، يتردد صدى أحرفها ورعشة كلماتها وصدق معانيها تعويذة ضوء في السماء ثم تهبط بنعومة إلى الأرض وشم مطرٍ يترقرق في انسياب بديع، و تتفتح براعم ورد في غور الروح.

ولست أدري حقا إن كانت رسائلنا من لطائف الأقدار لترقق من قسوة الأيام، وضراوة الآلام؟ أم هي النفس تفتش عم يريحها ويخفف اضطرابها؟ وأيًا كان فرسالتك يا سيدي أخذتني أخذا شديداً، اخترقت خلوتي وأسرت إليّ بعجائب القلب، أنارت لروحي شمعة تتوهج في الظلام، تدفئني وتملأ ثقوب الوجدان، وروتني ارتعاشة نشوة من عواطف طيبة وقلب صادق محب، وهو جلّ ما أردته من الحياة.

كان صوت قلبك فيها غناء شحرور مهاجر، يخترق كل المسافات الهائلة ليصب خواطره العذبة في صميم الفؤاد. أصيخ السمع إلى ما بين الحروف بجوارحي، فيتخمر النسيم على خيوط الشمس اللامعة، وتُينع نرجسة ربيعية صغيرة في عروق الفؤاد وفي فضائي الواسع، ترحل في نزهة أخّاذة، وعلى أعتاب الحب تنصب خيمتها. حفظتها في أحلامي وبين خفقات القلب الـمُـدْنَفِ والوجدان. استشفيت من بين أسطرها نقاءً وطهراً وقوة وجمالاً في الروح خليق أن يحظى بالمحبة والوصال.

يا سيدي البعيد، سأصون كل تلك المسافة بيننا، فهلا تخبرني في رسالتك القادمة إن كنت مثلي تهوى الأحلام؟ وهل تسمح لي بزيارتك في دنياها؟ أتسلل إلى حلمك في صمت كضيفة خفيفة، أستوي في جلوسي أمامك، أخفض جناحي في خفر ولين، حاملة بين أضلع قلبي إلى جذور قلبك أغنيات القمر العابق، لآلئ منثورة من النور وندى مضمخ بالسلام، مناديل فرح موشّاة بأزهار العسل وناي قوس قزح، وأمنيات من الحب والضياء والأمان، ومناجاة إلى الله لأجلك لتبقى دوما في حفظ وأمان، وليحرسك بعينه التي لا تنام.

أتأمل صفاء عينيك، أوشوش لك: "لمن نكتب كل هذه الرسائل وعذب الكلام، وقلوب الناس من حولنا نيام؟" قلت: "لن أجيبك حتى تقرأي كلامي في رسالتي المقبلة، فبالحب وحده نحيا، وأصدق المشاعر تتساقط في وصال من القلب إلى القلب".

ورد على شكل قلب

D 28 آب (أغسطس) 2024     A إيناس ثابت     C 0 تعليقات

بحث



5 مختارات عشوائية

1.  كلمة العدد 85: ظاهرة اليساريين سابقا

2.  عن لوحة الغلاف

3.  حالة الطقس في جهنم لهذا اليوم

4.  النقد الاستقرائي في أعمال الفنان عدنان يحيى

5.  فاكهة فلسطينية

send_material


microphone image linked to podcast



linked image to oudnad.net pdf_xive
linked image to oudnad.net/dox