عدلي الهواري
كلمة العدد الفصلي 19: خواطر على أبواب 2021
يتطلع الإنسان كلما اقترب عام من نهايته إلى عام أفضل. ولدى كل إنسان على حدة، والبشرية جمعاء، أسباب عديدة للأمل في أن يأتي عام 2021 حاملا معه تعويضا عن الخسائر والآلام التي هيمنت على العام 2020.
المؤشر المشجع الوحيد حتى الآن هو الحديث عن تطوير لقاحات مضادة لفيروس كورونا/كوفيد-19، وهناك أنباء تتحدث عن أنه سيمكن استخدامه قبل انتهاء العام، ولكن الواقعي أكثر الحديث عن استخدامه في الربع الأول من العام 2021.
ومثلما نتطلع إلى الخلاص في عام 2021، لا بد أيضا من التعلم من الأخطاء التي وقعت فيها حكومات دول العالم في تعاملها مع الوباء وفي إدارة شؤون البلاد، ليس أثناء فترة انتشار وباء وحسب، بل وإعادة النظر في السياسات التي أديرت وفقها البلاد لسنوات قبل الوباء. فما هي الأمور التي تستدعي إعادة النظر؟
للحكومات بعض العذر في اتخاذ قرارات خاطئة نتيجة عدم مواجهة وباء من قبل ينتشر بهذه السرعة وفي مختلف أنحاء العالم، ولكنها غير معذورة في مواصلة اتخاذ قرارات مرتجلة، وعدم التفكير في جعل البلاد مهيئة بشكل أفضل في حال انحسرت موجة من الوباء، وعادت موجة أكبر، أو ابتليت البشرية بوباء جديد.
مظاهر الارتجال والتخبط كانت الأكثر وضوحا في قرارات إخضاع البلاد لحظر بلغت درجة قسوته أحيانا فرض منع التجول، ثم عمل استثناءات ليست متماسكة منطقيا، كإغلاق المطاعم في العاشرة ليلا.
من مظاهر الارتجال الأخرى اللجوء إلى التعليم عن بعد، إذ تبين عدم وجود بنية يمكن الاعتماد عليها للتعليم عن بعد بصورة منهجية. وصاحب هذا الاكتشاف مفاضلة في غير وقتها بين التعليم وجها لوجه في المدارس والجامعات والتعليم عن بعد. وقيل في هذا السياق كلام كثير عن عيوب التعليم عن بعد، وكثيرون غلفت حججهم بالحرص على المساواة الاجتماعية، مثل عدم توفر الأجهزة للجميع، أو عدم توفر شبكة الإنترنت. هذه النواقص كانت موجودة قبل إغلاق المدارس والجامعات واللجوء إلى التعلم عن بعد. وشمل التعليم عن بعد المرتجل استخدام تطبيقات الهواتف الذكية لعدم توفر وسائل رقمية أخرى مناسبة.
أثناء فترة الوباء، حصل انفجار ضخم في مرفأ بيروت، وكان الدمار الأكبر من نصيب المناطق المجاورة للمرفأ، وبلغت آثاره باقي مناطق لبنان. هذه الكارثة، وأخرى تتكرر سنويا تقريبا كل شتاء، أي الفيضانات، تظهر هزالة إدارة شؤون الدول العربية، مع أن الخطاب الإعلامي الرسمي يعمل جاهدا على إقناع المواطنين بأن الدول المتقدمة معجبة بنماذج إدارة شؤون البلاد في دولنا النامية.
وابتلي العالم العربي خلال عام 2020 بظاهرة إقامة بعض الدول العربية علاقات رسمية طبيعية مع إسرائيل، والملفت في الأمر استخدام ذرائع واهية مثل الحرص على مصلحة الشعب الفلسطيني، أو تحقيق مصالح الدولة العربية المطبّعة، مع أنها بعيدة عن خطوط التماس، أو أن قرارات من هذا النوع "سيادية"، وكأن وصف قرار ما بأنه "سيادي" يجعله حقا مطلقا أو مقدسا أو لا يجوز أن يخضع للنقاش حول احتمال كونه قرارا خاطئا.
قد يكون عام 2021 أفضل من 2020 إذا ما نجح اللقاح المضاد لكورونا/كوفيد-19 في تحقيق النتائج المرجوة منه وإعادة عجلة الحياة الطبيعية إلى الدوران في كل بلد على حدة وفي العالم ككل. ولكن الأوضاع في الدول العربية لن تكون أفضل، فالمسألة فيها ليست مجرد نواقص كشفها الوباء ويمكن تفاديها بعد السيطرة عليه. هي هياكل دول تعيش على الخطاب الإعلامي الذي يفتخر بالبلد وبمؤسساته الرسمية وشخص الحاكم وعائلته وقبيلته.
ماذا عن الوضع الثقافي على ضوء ما سبق؟ لا يمكن للثقافة أن تزدهر وتتطور في ظروف سياسية تشهد تراجعا كبيرا في هامش الحريات المتاحة، الذي كان هامشا محدودا في أفضل الأوقات في الماضي. لقد عاش المثقفون والمبدعون العرب في السنوات الماضية على وهم وجود انتعاش في مجالات الفكر والأدب والبحث الأكاديمي نظرا لتعدد الجوائز في هذه المجالات. ولكن الوهم الذي ساد عددا جيدا من السنوات تبدد بسرعة، فصنع القرار في الدول العربية محتكر، وفكرة الحوار الاجتماعي مرفوضة، والشعب يعاقب بدل أن يكون له الحق الكامل في محاسبة المسؤولين وفق الآليات المعروفة في الدول الديمقراطية.
لقد أوشك العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين على الانتهاء، ومع ذلك لا تزال الدول العربية تدار بعقليات تجاوزها الزمن منذ عقود عديدة. ولذا، أعتقد أن الأوضاع في الدول العربية لم تبلغ الحضيض بعد رغم رداءتها المحبطة.
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]