عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

منال الكندي - اليمن

أسود وأبيض


إن كل ما يتفق مع ميولنا ورغباتنا يبدو في نظرنا حكيما ومعقولا. أما ما يناقض رغباتنا وأهواءنا فهو دائما عين الحمق والخطأ (اندريه موروا ـ أديب فرنسي).

استيقظت مع أول إسدال لخيوط شروق الشمس لتصلي الفجر وتدعو ربها أن يكون يومها موفقا ورزقها كريما، فهي تحمل على عاتقها مسئوليات أسرة، وتحب أن تكمل مشوار النجاح مع أفرادها.

رتبت غرفتها وشربت قهوتها كما اعتادت مع أحاديث والدتها، مصغية لقصصها وكل ما يدور في كيان الأسرة والحياة ونصائحها لها، ثم قبلت يدها مودعة لتخرج من بيتها إلى على عالم آخر يختلف عن عالم بيتها في مصداقيته وقيمه وإحساسه ومعاني الحياة التي ترتبت عليها.

في الباص مضايقات لا يفهم سببها أحيانا. حديث الناس ونقاشهم في السياسة، في المعيشة الصعبة، والغلاء الفاحش. أحاديث جانبية خاصة جدا. تسمع لأولئك في تنوعات مواضيعهم المختلفة، وذهنها يسبح في ملكوت الله بين دعاء، وتسبيحات وتفكير، وحديث مع النفس، وتعجب لكل ما يدور من حولها وحكمة الله في خلقه ودنياه.

تصل مقر عملها: باب آخر يفتح على عالم وشخصيات وتناقضات متنوعة، صادقة ومنافقة، متسلقة وطموحة لحد التصارع. كل يعامل الآخر حسب وجهة نظره في الحياة وحسب المصلحة التي ستربطه معه حاليا أو مستقبلا.

أما هي فخطوط تعاملها واضح المعالم بالنسبة إليها على الأقل. كل من يعرفها يعاتبها، ويدعي أنها تعيش بين اللونين الأسود أو الأبيض. هي ترى أن اللون الرمادي ليس ضروريا في حياتها: إما أن تكون صادقة مع نفسها ومع الجميع أو أن تكون كاذبة. لا ترى بوضوح التفاوت بين تدرجات الأسود والأبيض. تحب الألوان القزحية الواضحة، مؤمنة بمقولة "كن كاملا في عالم فاسد".

هناك من يراها متسلطة وآخر مثالية، وثالث غير واضحة، وأخرى ماكرة، وغير ذلك من وجهات النظر والأحكام على شخصيتها. أما هي فترى أنها تتسم ببساطة لا تنبع من غرور أو ثقة زائدة بالنفس، بل تنبع من رغبتها في أن تتعامل مع الناس بلغة هادئة، وافتراضها أن الناس مثلها في طيبتهم وبساطتهم. ولذا تستغرب مما يوجهه لها من لا يفهمونها من أحكام على شخصيتها.

فكرت كثيرا وقررت ألا تقدم تفسيرات لأن رضا الناس غاية لا تدرك.

D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2020     A منال الكندي     C 3 تعليقات

3 مشاركة منتدى

  • حقيقة أسعدني المقال
    دائما الكلمات والحروف تعطينا ضوء في الضمير قبل القلب
    تحياتي
    محمود


  • كتابة موفقة..
    قبل خروجنا من البيت، نكون قد انهينا كثير من المضايقات الفعلية، واخرى عبر الاستذكار من هذا الطرف أو ذاك، تجد/ي كل هذا لغة يومية مستمرة غير محدودة. وهكذا يمكن أن نتحدث عن مضايقات أسرية كما ألمحت الى ذلك الكاتبة، ومضايقات الشارع، ومضايقات مقر العمل. اضافة الى مضايقات الأصدقاء القدماء، ومضايقات الأصدقاء الجدد، ومضايقات الجيران، وحتى الذات لها مضايقاتها.
    السؤال هل تنتهي هذه المضايقات؟
    أرى أنه لا فكاك عن هذه المضاياقات، إنما علاجها التخفيف منها ما أمكن، وخاصة عندما يهتم المرء بقضاء أهدافه وبرامجه ومخططاته ومشاريعه، حينها وفقط تخف هذه المضايقات بشكل قوي، أو تكاد تذهب ولا تعود.
    والملاحظ أنني قد عبرت بأنها تكاد "لا تعود" ولم أقل "ولن تعود"، لأنها قد تعود فعلا بهذه الدرجة أو تلك. لكن انغماسنا فيما يعنينا وتصحيح مساراتنا، هما البلسم الشافي من هذه الأمراض الاجتماعية، التي طالت الأفراد والجماعات والصغار والكبار في عالمي الأمس واليوم ولن تقف في عالم الغد، والدليل الطبيعة البشرية التي لا تكتفي بالانشغال بهمومها لوحدها بل تشارك في هموم الآخرين حتى بالمضايقات.


  • أولا أشكر مرورك الطيب أستاذ المهدي كرومي...
    وما تفضلت به هو المنطق والواقع الذي فعلا نعايشه.. لا تنتهي المضايقات وقد تعود لأننا نسمح لها أحيانا كثيرة والأسباب كثيرة...ذكرت منها، فالطبيعة البشرية للأسف تثبت بأنها تعاني آفات مرضية اجتماعية والنادر منها من يستطيع أن ينجي بنفسه ويعالجها قدر إستطاعته..
    رغم لا شيء يستحق والدنيا فانيه ولا يبقى إلا وجه الله وحده ..
    فالله المستعان ويكفينا شر هذه الآفات..
    سلم قلمك وفكرك ومرورك الجميل ع حروفي


في العدد نفسه

كلمة العدد الفصلي 19: خواطر على أبواب 2021

خماسيات الشاعر فراس حج محمد

المتنبي تحت ضوء الفلسفة

عبادة الربة أفريكا في الحقبة الرومانية

غمّيضة