منال الكندي - اليمن
مواهب الأطفال بين الواقع والاستغلال
ظهرت منذ سنوات نسخ عربية من برامج أجنبية لاكتشاف المواهب، وخاصة في مجال الغناء. للوهلة الأولى تبدو هذه البرامج فرصة عظيمة لمن يمتلك موهبة ويريد لها أن تُعرف وتشتهر. ولكن هذه البرامج في الواقع تقوم باستغلال المشاركات والمشاركين، وتجمع ثروة على حسابهم، فهي بالتالي لا تخدم أصحاب المواهب بقدر ما تخدم منظمي هذه البرامج.
في كل موسم تظهر مواهب يتم اختبارها واختيارها من لجنة تقبل بعض المشاركات والمشاركين، ثم يتم فرزهم بعد وضعهم في منافسة شرسة وضغط نفسي وبيئة مختلفة تماما عن تلك التي أتى منها صاحب الموهبة. ويتم هذا لفترة محددة يستفيد منها ظاهريا صاحب الموهبة وأسرته من أضواء وشهرة مؤقتة تؤثر سلبا عليهم بعد توقفها وانتهاء ذلك العالم من الأضواء.
أثناء عملية الفرز، يتم إقصاء أصوات على أساس مدى تصويت الجمهور لها، ومن خلال عمليات التصويت تستفيد شركات الاتصالات وتلك التي تشرف على تنظيم البرنامج. أما صاحب الموهبة فنصيبه من المشاركة في البرنامج بعض الشهرة وتغيير نمط حياته تغييرا سلبيا بعد خروجه من ذلك العالم. أما الفائزون في المسابقات فيتم وضعهم تحت الأضواء لفترة معينة، ويوقعون عقودا احتكارية، تشكل نوعا آخر من الاستعباد.
هناك الكثير من المواهب التي يمتلكها أطفال العالم في كل مكان، بعضهم قد يكون من أسر فقيرة أو متوسطة الحال أو ثرية. تستهدف الشركات والمنظمات التي تعمل على تبني المواهب العائلات الفقيرة والمتوسطة، لأنه من السهل إغراؤها ببريق الشهرة والمال ودخول عالم ترى دخوله ضربة حظ، وحلما يتحقق وسيؤدي إلى انتقالها من الفقر إلى الثراء. ولكنها سرعان ما يصدمها الواقع الاستغلالي لعالم لا يفهم سوى لغة المال وإن غلفوها بلمسة إنسانية.
في الآونة الأخيرة، ظهرت في اليمن موهبة صبي يبيع قوارير الماء في شوارع صنعاء (عمرو أحمد). وقد اشتهر بعد انتشار فيديوهات له وهو يغني بصوته الشجي لكبار الفنانين اليمنيين، فأصبح ظاهرة تتناقلها وسائل الإعلام. وأبدت شركات استعدادها لتبني موهبته، ولكن وفق شروط مجحفة أولها تبنيه بعيدا عن أسرته الفقيرة التي تعتمد على الطفل في المعيشة، مع أن عمل الأطفال محرم وفق القانون الدولي.
- عمرو أحمد: طفل فنان
ومن غير المفهوم مبررات قيام أحد بتبني موهبة الطفل في الغناء بعيدا عن أسرته. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستقوم جهة التبني بتدريسه وتكفل تعليمه، أم فقط تريد تبني صوته ليكون المادة الذهبية التي ستدر الأموال على الجهة التي تتبناه والتي سوف تستغني عنه عندما يصبح غير مفيد لها في جني المال؟
وثمة طفل يمني آخر موهبته العزف على الجيتار. تواصلت والدته مع منظمات دولية من أجل أن تتبنى موهبة ابنها، فالوضع في اليمن مأساوي بسبب الحرب. وافقت يونيسكو على أخذه مع والدته إلى إيطاليا ليعزف مقطوعة موسيقية عالمية لمدة ثلاث دقائق في حفل أوبرا. أثناء وجودهما في إيطاليا، طلبت الأم اللجوء، وكانت النتيجة وضعهما في مخيمات مخصصة لطالبي اللجوء، ونقلا بعد ذلك إلى مخيمات اللجوء في ألمانيا. ولا يزالان في انتظار الإجراءات القانونية التي تؤدي إلى تحسين أوضاعهما. هذه الحالة تظهر أن الدافع لم يكن الحرص على موهبة الابن، بل الحصول على فرصة للخروج من اليمن للاستقرار في بلد آخر.
هناك الكثير من المواهب، وتحتاج للبحث عنها لتشجيعها وتطويرها. وهذا الأمر سيحتاج إلى مال، ولكن المجتمع سوف يستفيد من هذه المواهب بدل أن تهاجر إلى دول أخرى.
وبالنسبة للبرامج التي بدأت بها الحديث، فهي تحاصر المواهب بين المنافسة والتصويت، والضغوط النفسية والتأثيرات السلبية المختلفة. وثمة رسالة مبطنة مفادها أن الوصول للشهرة والأضواء والأموال لا يحتاج سوى برنامج-شركة تعتمد على العقود الاحتكارية لتضع صاحب الموهبة على طريق الشهرة والنجاح. ولكن مقابل كل من يتم اختياره هناك عدد لا بأس به يستبعد، ويكون من نتائج ذلك شعور بالفشل والتوتر والضياع رغم أن الكثير من المستبعدين ليسوا أقل موهبة. والرابح دائما هو الشركات ووسائل الإعلام التي تجني الكثير من المال.
◄ منال الكندي
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
مواهب الأطفال بين الواقع والاستغلال, سوسن يوسف - المملكة المتحدة | 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 - 19:00 1
المقاربة يا صديقتي ليست منصفة تماما، لا سيّما ونحن نتعاطى مع عالم "مُتَغَوِّلْ"، فما بالك بمن يقدِّم خدماته لوجه الله، بوحي من طوباوية السيد المسيح؟ ولئن كانت البداية المجحفة "الظالمة"، والشهرة المتواضعة ثمنا يسدده المشارك، فتبقى العبرة الأهم أن يحقق المتباري لنفسه مستقبلا ونجاحا مرموقا، يتمكن من خلاله أن يفرض نجاحه وشروطه وعقوده المنصفة. خالص مودتي.