عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

منال الكندي - اليمن

الله أحن


أضاعها بعد أن قرر أن يكون جزءا من لعبة الذبح، ورماها في الشارع بعيدا عن عشها الذي تصورت أنه مصدر أمانها بعد فقدانها أعز من لديها والأكثر حنانا عليها في الدنيا. لم يرحم تمزق قلبها، وشارك بكل خيانة وكذب في اللعبة.

لم يتذكر أنها قطعة منه، وأنها أفنت سنوات عمرها من أجل إسعادهم. كانوا وجعا لها، وكان هو سكينا انغرز بدون رحمة في قلبها، يرسم خارطة لجروح مدفونة وأخرى حية.

لم تتذكر يوما أنها أحست به كأب وذي عقل وفكر ومعرفة أو قلب حنون.

عاد ليبحث عنها ولم تفهم سبب بحثه: أهو للاطمئنان أم ليعرف مكانها فينتظر حتى تموت ليرجع ما تبقى لديها من ماديات لم يستطع أخذها منها قبل رميها في الشارع؟

هو من قرر خروجها من حياته، لكنها أصبحت في عينيه دمعة تذرف دما، وتحرقه ألما على فراقها.

دقات قلب تدق وجعا على ضياعها من بين يديه. شوكة في حلقه تنغص حياته على تشتتها ووحدتها وغربتها.

كانت ملكه، ولم ترض إلا أن تكون ملكا له، فهو من تحمل اسمه، ويجري دمه في عروقها منذ أن كانت نطفة في الرحم الذي احتواها.

لم تجد في مراحل حياتها معه طريقا واحدا يصل إلى عقله.

لم يفهمها، رغم انبهاره وخوفه من عقلها الصغير، عقلها الذي لم يستوعب ظلمه، وكل محاولاته لذبحها وضياعها، واختياره البقاء مع الغباء والدناءة البشرية.

خرجت من حياته. تساءلت: لماذا يبحث عنها وقد أصبحت سرابا؟

فتاة وحيدةهي تلك الوردة التي زرعها، ولكن لم يحصد سوى شوكها لأنه لم يفهم همس الورود، ولم يرفق بها، وقطفها من جذورها ورماها أرضا لتدوسها أقدامه وتهشم روحها.

ابحث. ابحث. لن تجد سوى شوك ينغرز في قلبك وجعا وألما، لتوقن بأن الميت لا يعود، ومن سلبت روحه وعزته لا يبقى منه سوى شبح يطاردك في حياتك، وينتظرك يوم الوقوف بين يدي العادل الذي لا ينام، فالله ليس بظلام للعبيد ولكن هم أنفسهم يظلمون.

تساءلت كثيرا: هل أنا ابنته حقا؟

نثرت حياتها تحت قدميه حبا واحتراما، فلم تجد سوى التشتت والضياع على يديه.

كان يدعي أنها وردة حبيبته، ونور عينيه، ونصف عمره؛ حبيبته التي جعلت وردته تشع نورا وفرحا لتفرحه، لتضيء طريقه. لكنه اختار دار الفناء بمفاهيمها الفانية ليطفئ نورها.

خرجت ولملمت أشتات روحها لتزرع نفسها بعيدا عن أرضه، رغم غربتها ووحشتها ووحدتها، حاملة كلمات الحبيبة لها وهي تتلمس وجهها وتفضي لها سراً بأن وردتها الصغيرة ستكون وحيدة.

لكن الله أحن عليها من ذلك الرحم الذي احتواها، وأحن عليها من عبيده جميعا.

لملمت أشياءها الصغيرة، وتاهت في غياهب الدنيا، لعلها تجد من يمسح نداها ويروي عروقها أملا وحبا.

D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014     A منال الكندي     C 16 تعليقات

9 مشاركة منتدى

  • دائما اعهدك رائعه فى كلماتك ورائعه فى احساسك ودائما مبدعه سلمت يمينك


  • غالباً ما يكون الآباء ضحية الأبناء، وقليلا جداً ما يحدث العكس.. لكنّها النفس البشرية يا صديقتي، لا تتقيدُ بالنواميس والأعراف، ولا تخلو من قسوتها بعض القلوب. أشهد أنك نجحتِ أن تتقمصي دور الضحية بكفاءة ملحوظة، كبرهان جديد على استخدام المفرات اللازمة، وقدرتك على سلامة التعبير.


  • طرد الآباء للأبناء خطأ فادح وهم يتخيلون أن في هذا الطرد حلا أو مقدمة حل لما يعانونه من مشاكل معهم، وتعظم فداحة هذا الخطأ عندما يكون المطرود بنتا. وكم في هذه الدنيا من قصص غريبة.
    قصة مؤثرة تلامس الوجدان وتخاطب الضمير الحي.. ويبقى الله الأحن على الضعفاء من عباده بالتأكيد..


  • "يوم العدل على الظالم ..أشد من يوم الجور على المظلوم .
    تكون الضربات موجعة وقاسية عندما تأتي من أقرب الناس إلينا
    أسئلة متشابكة محيرة تثيرني ؟
    هل ستغفرين له وتمدينه بالمساعدة وهو في أحلك أيامه وأضعفها؟ وهل ستتحرك فيك مشاعر الإبنة التي أفنت حياتها في خدمة وبر والديها ؟
    هو وأدك وأنت في قوتك هل ستعيدين له الحياة في ضعفه ؟
    للأسف يا صديقتي نحن نعيش وسط متناقضات علينا أن نرضى ونخضع لها ..
    أشكرك لأنك أثرت موضوعآ حساسآ ومؤلمآ حول ما تعانيةالفتيات أو النساء من جبروت الرجال وكأننا في عصر الجاهلية ..!


    • فعلا عزيزتي هي أسئلة متشابكة ومحيرة ونعيش في منتاقضات والأيام هي كفيلة بكل شي.. والعفو عند المقدرة ومن تعرض لظلم كبير احيانا لا يكون لديه مقدرة ع المسامحة ولكن دائما نسال الله أن يشرح الصدر ويمسح من عليه الحقد والخير يكون طريقنا... شكرا لمرورك الكريم أضاف الكثير

  • أ/منال تحياتي قصة مؤثرة أجدت في إيصال رسالتها إلينا وحسب هذه النماذج البشرية الابتلاء بالقسوة والهمجية وحسرة النفي عن الإنسانية .مهما عانى المظلوم من القسوة فهو الرابح فكثيرا ماتتألق إرادة الحياة بين جوانحه ليرتقي في دروب الحياة

    أ/منال قصة مؤثرة أجدت في إيصال رسالتها إلينا والكون قائم على التوازن ولا شك بأن الله ينصف المظلوم ويوقد بين جوانحه إرادة الحياة ليرتقي في دروب النجاح ويأخذ حقه.لك تقديري ومودتي.

    ل


    • أ/ هدى.. فعلا المظلوم مهما عانى من ظلم الناس له، عليه أن يفهم بأنها حكمة ربنا ليأخذه الله إلى الخير بعيدا عن حياة كان يعاني منها وليختبر إيمانه بالله ثم بنفسه وبقدراته ليواجه الحياة بما فيها من ابتلاءات.. والظالم هو الخاسر بالتأكيد، إذا لم يخسر في الدنيا هناك يوم الحساب أمام عادل لا يخطئ ولا يظلم..
      شكرا مرورك استاذتي كلماتك أسعدتني

  • وليس كرحمة الله رحمة فلا تخشي شيئا إن الله رحيم بعباده مهما ابتلاههم .. أسلوب رائع وقدرة متمكنة على توصيل الغاية وإدارة ناجحة للسرد .. فحين يتلمس الكاتب مكامن التأثير على المتلقي بقدر إحساسه بالوجع يكون أقدر على اختيار مفرداته وصوره لأنه يتحرك بإحساس قوي ويكتب من أعماقه.. وهذا ما قمت به يا منال ونجحت به نجاحا واضحا.. الحياة ما زالت ترينا في البشر عجائب ما يرتكبونه من غريب التصرفات.. فالله جل وعلا بالغ بتعظيم قدر الوالدين إلى أن جعل برهما على الأبناء فرض واجب مقرون بالإيمان بالله وكتابه ونبيه.. وبالمقابل أوصى الآباء لأبنائهم بالرحمة فمن لا يرحم لا يرحم (ضمة فوق الياء) لكن نواميس الطبيعة قد تنقلب إما عن جهالة أو عن خيبة أو عن ضلال .. إنما الله يغفر لعبادة جبالا من الضلال فكيف بالعبد لا يغفر لمن راجع نفسه وندم على خطيئته.. إن القدرة على الغفران هي تسامي روح وعبادة.. وانفتاح الخاتمة هي دليل


  • ويبقى الله أرحم بنا.
    ان سكن الله قلوبنا ستنير ولن نعد بحاجةإلى طلب رحمة الاخرين وإن كانوا من القريبين، ولن نضل الطريق أبدا.


  • منال الكندي/ اليمن
    رائعة كلماتك التي رسمت ظلم الانسان بخطوط بسيطة متماسكة وعفوية. فاخرجت لوحة تبهر العيون وتفتحها على مصراعيها لظلم الانسان للآخر وإن كان قطعة من كبده. وهذا ما يفجعنا ولكن بامل ، فرغم الفجيعة نلملم اشتات ارواحنا التي تسمو لغد افضل في بُعد ثرى الشر عن ثريا الخير والعفة.
    فالله أحن على خلقه حتى ممن خُلقنا من دمه ولحمه
    سلم قلمك عزيزتي


  • كلمات رائعة لكن معانيها صعبة وحقيقتها مؤلمة
    اتمنى من كل قلبي ان لا تكون هذة قصة انسانة عرفتها طيبة وحنونة ولا يعرف الحقد قلبها
    اتمنى ان لا تكون هذة قصة انسانة سعدت بصداقتها وتمنيت الكلام معها لانها قصة مولمة
    ومهما عصفت بها الايام ومهما قست عليها الحياة
    فعلا الله احن
    لكنك ستبقي في قلوب محبيك
    مثل زهرة تنمو بعطاء الحب


في العدد نفسه

كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة

العولمة والحفاظ على اللهجات الجزائرية

قراءة في ديوان البسي شالك

سوف تلهو بنا الحياة: رحيل جورج جرداق

الجاحظ: رائد الثّقافة العربيّة