عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

منال الكندي - اليمن

حكاية كورونا بنكهة يمنية

عود الند: عدد خاص: كورونا: يوميات وتأملات


الوباء الذي نشره في العالم فيروس كورونا بدا كأنه مخلوق فضائي كالذي كنا نشاهده في الأفلام الهوليودية التي تتحدث عن الخيال والمستقبل، وكيف سيكون وجه العالم عندما يسيطر جنون المصالح والأطماع على العقول، فتحوّل الخيال واقعا مخيفا فوضويا. كنا نهرب دائما ولا نعرف من ماذا.

من لطف رب العالمين أن وباء كورونا لم يجد طريقه لبلاد كاليمن، الذي كان ضحية عالم أصابه جنون القوة والتسلط والطمع، فأشعل الحروب، وتجرد من إنسانيته واعتاد ببلادة على مشاهدة القتل والدم ووحشية الإنسان في كل مكان.

الوحش في أفلام الخيال العلمي كان يثير في المشاهدين الخوف من المجهول، ومن المستقبل، ويزرع في أنفسنا أوهاما تتغذى على هذا الخوف.

أما في الوقت الحاضر فهناك وحش حقيقي يُطاردنا في كل مكان، ويفرض قوانينه علينا. هذا الفيروس جعل من العالم غرفة طوارئ لا تنام. عجبت لقوته في نشر الرعب والفوضى والخوف في كل الكرة الأرضية، رغم أن الأرض كانت تئن من أثر القصف والقنابل التي تقتل كل يوم، وتحصد أرواح الآلاف من البشر في بلد كاليمن وغيره من البلاد الفقيرة.

تشربت الأرض دماء الأبرياء من موتى ومعتقلين ونازحين. كساها العفن من الأوبئة التي قتلت الأطفال والشباب. ومع ذلك، لم يتحرك العالم، ولم يعلن الطوارئ، ولم تستفزه صرخات أطفال مشتتين بين مخيم ومخيم، وأطفال يبكون أهلهم تحت أنقاض البيوت المهدمة في حروب لا ترحم.

ست سنوات من الحصار والقصف في اليمن، ولا تزال الفصائل تتقاتل من أجل السلطة، وفي الوقت نفسه هناك ملايين من البشر يعانون الموت والبطالة وهدم البيوت والنزوح والتشتت وتفشي الأوبئة بينهم بسبب الحصار والقتال.

ذكّرنا فيروس كورونا والوباء الذي نشره بنفاق أولئك الذين يدعون الإنسانية. حياتنا كانت بسيطة تحمل أحلاما صغيرة. لم يكن يتوفر في وطننا كل شيء، ولكنه كان يحوي الأحبة، ويحمل للشباب الآمال في المستقبل، ويهمس لهم بأن القادم جميل.

تحول الوطن لأحزان تتدحرج على طرقاته، خنقت الأحلام، وقتلت الشباب. وتضرر الاقتصاد، وتحول اليمن إلى بلد يصنف ضمن الأشد فقرا في العالم.

قبل أن يجتاح كورونا دول العالم، اجتاحت الكوليرا اليمن، ودعمت الحرب في تحقيق أهدافها. ولا يزال حصار اليمن مستمرا. المطار وكل منافذ الخروج مغلقة. لا مجال للخروج حتى لو كانت الغاية البحث عن مكان للعلاج فقط لا للنزوح إلى بلد آخر.

ست سنوات والكهرباء معدومة في اليمن. يعيش الناس على شموع، أو على الطاقة الشمسية، ولا مجال لاستخدام الأجهزة الضرورية التي تساعد الناس على مواصلة الحياة اليومية.

مدن تحولت إلى قرى مهجورة لانقطاع الكهرباء. عائلات فقدت مصادر رزقها. صار الانتحار خيارا يلجأ إليه البعض نتيجة العجز عن الوفاء بالتزامات مادية واجتماعية. عائلات افترشت الطرقات متخذة الشحاذة ومد اليد كمصدر لرزقها.

العالم تنصل من التزامه نحو هذا البلد، ومنظمات بات تعيش على الاسترزاق من معاناة البلد وشعبه.

الخوف لم يعد له أثر في حياة ذلك الشعب. لم يعد هناك ما يمكن التخطيط له في المستقبل. البلاد تدمر، والإنسان يقتل، والأمل يخنق.

المدارس مغلقة. لم تعد تسمع ضحكات طلابها، ولم يعد المعلم يرسم ملامح الأمل على وجوه الصغار.

السائد الآن حياة باهتة ينقصها الكثير من احتياجات الإنسان. فقد اليمني السكن، وفقد الأحبة، ولم تعد المياه صالحة للشرب. باتت قضيته كيف يفر من الموت.

فتك فيروس كورونا بكثير من البشر في مختلف أنحاء العالم. وفي اليمن فتكت بالكثير من اليمنيين الأوبئة والبطالة والفقر.


JPEG - 24.9 كيليبايت
لافتة: عود الند عدد خاص كورونا
D 27 نيسان (أبريل) 2020     A منال الكندي     C 0 تعليقات