عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 6: 60-71 » العدد 62: 2011/08 » كلمة العدد 62: أدوار الصحافة: الحاجة إلى اليقظة

عدلي الهواري

كلمة العدد 62: أدوار الصحافة: الحاجة إلى اليقظة


عدلي الهواريمن الكليشهات الشائعة في الحديث عن الصحافة أنها السلطة الرابعة، وهذه سلطة غير رسمية تضاف إلى ثلاث رسمية هي التنفيذية والتشريعية والقضائية. ويفترض أن السلطة الرابعة تمارس نوعا من المراقبة على الثلاث الأخرى وتحاسبها. هذا هو المفترض أو الموقف النظري، ولكن الواقع مختلف كثيرا عن ذلك.

الواقع يقول إن الصحافة (الإعلام بمختلف وسائله) سلطة رابعا فعلا، أي أنها جزء من نظام الحكم في بلد ما، فتكون ديمقراطية بقدر ديمقراطية البلد، أو لا ديمقراطية بقدر دكتاتورية الحاكم.

حتى في الدول الديمقراطية لا تبتعد كل وسائل الإعلام عن أهل الحكم، ولذا هناك صحف تؤيد الحاكم قلبا وقالبا، وخاصة في القضايا المختلف عليها مع دول أخرى، سواء في حالات الخلاف الساخن، كالحرب، أو مجرد الخلاف على المصالح في مؤسسات التعاون بين الدول كالاتحاد الأوروبي.

إذا كان الأمر كذلك في الدول الديمقراطية، فهو أسوأ في الدول غير الديمقراطية، وبالتالي عندما تتغني الصحف ووسائل الإعلام في العالم العربي بأنها سلطة رابعة، يجب أن نكون أذكياء ونهز رؤوسنا موافقين ونقول: "نعم، أنتم كذلك حقا."

للصحافة أدوار متعددة، بعضها ايجابي تجب حمايته والدفاع عنه، وبعضها سلبي يجب انتقاده بدون تردد. الدور الايجابي ينتج عن جعل الحقيقة هي الغاية، الحقيقة في بلد الوسيلة الإعلامية وفي الدول الأخرى. والأدوار السلبية تنتج عن جعل الغاية والوسيلة الترويج لنظم حكم معينة، أو لأشخاص معينين، أو الترويج لسلوك استهلاكي، والاهتمام بالمشاهير، وخاصة أهل الفن.

ومثلما نشأت في الماضي حاجة لجعل الصحافة "سلطة رابعة" تساعد على الرقابة والمحاسبة، هناك حاجة جديدة لمراقبة ومحاسبة "السلطة الرابعة" وزميلاتها الثلاث. أفضل وسيلة لذلك ليس سلطة خامسة (المنظمات غير الحكومية مثلا) بل نظام حكم ديمقراطي، فهذا النظام على علاته الكثيرة ينطوي على خاصية مفاجأة من هم في السلطة وأصحاب المال بأنهم ليسو أكبر من أن يحاسبوا على ما يفعلون.

هذا النوع من المفاجآت تعيشه بريطانيا هذه الأيام، فهي تشهد ضجة سياسية إعلامية لا تزال تفاعلاتها مستمرة، وجددت النقاش حول دور وسائل الإعلام وممارساتها، والعلاقة بين من يملكونها والساسة والأحزاب ومؤسسات أخرى من بينها الشرطة.

الضجة ناتجة عن أعمال تجسس على الخصوصيات الشخصية قامت بها صحيفة اسمها "أخبار العالم" (نيوز اوف ذا وورلد)، يملكها روبرت ميردوخ، صاحب العديد من الصحف ووسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم.

القضية قديمة ولم تنجح محاولات دفنها، وهي الآن قضية نقاش عام، وأسفرت حتى الآن عن إغلاق الصحيفة واستقالة بعض كبار المسئولين في إمبراطورية ميردوخ الإعلامية، واستدعائه إلى لجنة نيابية.

لكن النتائج الآنية، كالاعتذارات والاستقالات، ليست الأمر المهم في القضية. الأهم وجود ضوابط تجعل وسائل الإعلام تعمل لا كسلطة رابعة غير رسمية متواطئة مع السلطات الأخرى، ولا كسلطة منفصلة بيد أصحاب المال تجعل سلطات الدولة الثلاث تسعى إلى رضاها، وتتصرف كما يحلو لمالكيها أو صحفييها.

وإذا عدنا إلى عالمنا العربي، الذي تشهد دوله تحركات للمطالبة بالتغيير، وتحولت التحركات إلى خبر يتابع بتغطية إعلامية مكثفة، يجب ألا ينسينا حديث وسائل الإعلام عن الثورات والتغيير ضرورة أن تكون نظم الحكم القائمة والجديدة ديمقراطية، وضرورة أن نبقى يقظين دائما إزاء الأدوار التي يؤديها الإعلام.

إن توجيه النقد لوسائل الإعلام عندما تمارس دورا سلبيا لا يعني قبول مبدأ تقييد الحريات الإعلامية، وإغلاق المكاتب أو الاعتداء على الصحفيين. لا غنى عن الصحافة، ولا غنى للصحافة عن الحرية مثلما لا غنى للإنسان عن الحرية.

مع أطيب التحيات

عدلي الهواري

D 25 تموز (يوليو) 2011     A عدلي الهواري     C 8 تعليقات

7 مشاركة منتدى

  • الصحافة برأيي ليست سلطة مسيسة دوماً و تابعة للسلطات الثلاث الاولى والا ماذا عن صحف المعارضة؟ والتي تديرها اصلا احزاب المعارضة ؟ و يقبع افرادها في السجون لنشرهم راياً مخالفاً للسلطات كلها .
    اما الاستثناء فهو صحافة مثل صحافة "أخبار العالم" و التي اعدها سلطة متكاملة والا كيف استطاعت التجسس على الهواتف النقالة ؟عملية مثل هذه ليست سهلة و تحتاج لتعاون سلطة اخرى معها على الاقل و على علمي ان القانون مطبق في تلك الدول اكثر من دولنا العربية لثغراته الكثيرة و لسهولة اختراقه علنا او رشوة او تغافلا ولم نسمع (علنا على الاقل ) ان صحيفة استطاعت التجسس الى هذه الدرجة فالامر حصرا بسلطة تنفيذية اخرى و بشكل سري . فكيف استطاعت صحيفة"أخبار العالم" التجسس و هذا بالطبع يحتاج الى وقت و حماية وتكاليف (مدفوعة سلفاً) .
    واذا كان الحل بايجاد سلطة رقابة على السلطة الرابعة بالمنظمات غير الحكومية فقد قامت السلطات الثلاث الاولى بقصقصة اجنحة مثل هذه المنظمات بجعل مرجعية اهم القرارات اليها و تنفيذها على ارضها لايتم الا بموافقة الدولة نفسها .
    وحتى سلطتنا الرابعة التي تابعت حركات التغيير و الثورات كانت بين مستقتل في التأييد (مستثنين طبعا صحافة البلد الذي شهد الثورة ) و بين رافض رفضا قاطعا لها لخوفه من ان يحدث في بلده نفس الشيء و لذا يشوه هذه الثورات بكل ابعادها .


    • لقد بدأت الحركة الاعلامية لهدف تعميم الخبر والإعلان عنه، ومن ثم اكتشف أنها ممكن أن تكون سلطة رابعة غير رسمية تمارس الرقابة على السلطات الثلاث كشريكة لمؤسسات المجتمع المدني، قبل أن تتطور المطابع وتتوفر مصانع الورق والأحبار، لتظهر على الساحة وفرة غير مسبوقة من الصحف والمجلات على تنوع اختصاصاتها تدعمها التكنولوجيا الحديثة والفضائيات والاذاعات والمحطات الوطنية والخاصة والشبكة الالكترونية، ليصبح الاعلام قوة حقيقية مؤثرة سريع الحركة وهائل التأثير، تحركه أصابع معلنة وأخرى خفية ترفده بالأموال مقابل التلاعب بالخبر أو ترويج المزيف منها أو الحقيقي مما يحقق نتيجة معينة تشكل مصلحة لأصحاب المصالح حسب فئاتها بين سياسية واقتصادية ودولية وحتى جهات معادية وربما عسكرية تستخدم الاعلام لتحقق استراتيجياتها المحددة، فهل فعلاً تحمل الاعلام دوره كرقيب أم كوسيلة تحقق غاية ومصالحاً ليس لمصلحة الناس رواجها، إن كان ذلك تحت المظلة الديمقراطية أو الدكتاتورية، ولو ظل دورها مقتصراً على هذه الناحية فقط فهل كان سيكون هناك صحافة موالية وأخرى معارضة وصحافة صفراء وأخرى حمراء وخامسة تبيع نفسها لمن يمارس سخاء الدفع بصورة أكبر؟.. وكلها ذات أهداف آنية وأخرى مستقبلية محددة، تصيغ الخبر بما يتوافق وأهداف غير سوية، لتحقق مصالحاً إما اقتصادية أو سياسية أو عسكرية استعمارية.. وهل كان الأمر سيحتاج لحزمة قوانين يتفنن المشرع في صياغتها لتوافق فكراً محدداً وسياسة محددة تحت مسمى تنظيم الحركة الاعلامية وضبط عالمها؟.. وهل كانت هذه القوانين ستحاصر الرأي، وتطمس الرأي الآخر وتقصيه، وتعرض الصحفيين للسجن والقتل والتصفية بناء على طريقة تغطيتهم للخبر بما لا يتوافق مع سياسة البلد أو حكومته؟.. وامتد الأمر دولياً لتمارسه دولاً تدعي الديمقراطية فتتهرب بسجن الصحفيين في دول أخرى وسجون في مواقع خارج دولتها متحايلة على ديمقراطيتها الداخلية، ولعل أخطر ما أصبحت الوسائل الاعلامية تروج له هو عملية التأثير على الجماعات وبرمجة العقول من أجل السيطرة على الجماعات والشعوب المستهدفة لضبط انقيادها لاتجاهات تتعارض مع مصلحتها وثقافتها ومنطقها، وتغيير الأفكار بما يتوافق والمصلحة المستهدفة التي تريد الترويج لها، حتى الدول المتقدمة التي تسمى نفسها بالديموقراطية وتتغنى بمقولة حرية الرأى والشفافية وجدت نفسها أمام القيم العالمية الجديدة ( قيم العولمة) تخلع عنها ثوب ديمقراطيتها القديم ومصداقيتها مع قيم الديموقراطية، لتفصّل ديموقراطية تتناسب ومقاسات المصالح التي تتبناها، وقد يقبض الاعلام المال من أجل الترويج للأفكار وتزييف الأخبار تلك التي تنتصر للمصلحة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية كونها كلها أصبحت تدور في دائرة اهتمام واحدة تحركها قوى مؤثرة.. فهل ظلت حقاً الصحافة والاعلام سلطة رابعة أم سلطات متغيرة وفق تغير المصالح؟

  • الأخ والزميل الموقر عدلي
    دمت بحفظ المولى ورعايته
    نعم تحتاج الصحافة والإعلام إلى ضوابط خصوصا في الدول القوبة التي تستخدم الإعلام سلاحا قويا في استعمار الشعوب ونهب خيراتها لتبقيها سلطة رابعة في بلدانها إن استطاعت.. لكنها في عالمنا العربي ما زالت تخدم مصالح أشخاص وفئات محددة دون أن تكون سلطة رابعة أو غيره.. وفي تجربة شخصية لي كان الفرق واضحا في المفهوم بين مدير كبير لمؤسسة دولية وهو غير عربي ومدير الدائرة الإعلامية العربي في نفس المؤسسة، فالأول يفهم أن للصحافة دورا مهما في تصحيح مساره ومسار مؤسسته ومستعدا لتقديم الشكر والجوائز رغما عن النقد اللاذع، بينما الثاني يرى فيها تخريبا على مصالحه ومصالح أمثاله الفردية ... شكرا موصولا للأخ عدلي وما يوليه من اهتمام بما ينشر في عود الند الأغر..


  • في عالمنا العربي أرى أن السلطات الثلاث شكلية وخادمة لأمر حكامنا الموقرين ..وبالتالي لن تكون

    السلطة الرابعة إلا الابن الشرعي لتلك السلطات التي لا تخدم حرية الشعوب ومنح الحقوق..بل هي

    خادمة لفئة قليلة. تسخر الإعلام لمصالحها..

    شكرا أستاذنا الفاضل عى الموضوع الجيد.

    إحترامي


  • استاذ عدلي سلمت

    المشكلة أن الصحافة كغيرها من أوجه الحيوان الثقافي تنسجم في آخر الأمر للمموِّل وتلهج بالتالي بما يقول إلى درجة أنها تستقرىء رغباته وتحكم سقفها بما يرضيه أما المتلقي فيقع ضحية الماكنة الإعلامية التي يثق بها حد العمى أحياناً............


  • الصحافة الحقيقية والاعلام الشفاف يبقيان حلم الصحفي والمتلقي المنشود، كيف هي ارادة الاعلام حين بث التقارير وتحرير الحوادث وفق المقاييس العامة؟ للاسف، معظم العامة يرى ان الصحافة لا يمكن الوثوق بها وليس هناك عجب بان الشفافية الاعلامية، مع اهدافها بنشر الضياء على صياغة القرارات.. تبقى احدى المصطلحات الطنانة والمثيرة للجدل لاوائل القرن الثاني والعشرين.
    اما مصلح "الطنانة" فقد اكتسبتها من خلال اروقة العالم الاعلامي والحكومي، بسبب تحميلها مهمة حراسة المستثمرين من جهة، ومنع او تقليص فساد المفسدين من جهة أخرى!


  • المشكلة يا أستاذ عدلي.. اننا ما عدنا نعرف من نصدق ومن نكذب؟؟ من يسعى لنشر الحقيقة والحقائق ومن يتاجر بالإنسان ودمائه وآلامه ..
    خلطة مبَهّرة يناقض بعضها بعضا..
    وكلما ظننا ان بصيص الأمل هناك.. أخفتته الخيانة..
    يبدو أن المستحيلات في دنيانا تتكاثر.. وبعد الخل الوفي.. أصبح الصحفي الصدوق والصحافة النزيهة..
    دمتم وطبتم لفكرتكم النبيلة في عود الند


  • مقال رائع ومعبر و في الصميم .....وللأسف مع انطلاق ما يسمى اصطلاحا ربيع الثورات العربية فقد أصبح التضليل والتزييف والتحامل والتحيز والاصطفاف لهذا الطرف او ذاك هو السمة المميزة للصحافة المكتوبة والألكترونية والاعلام العربي ( وخاصة المحطات الفضائية ) ، وقد تحول "غوبلز" وزير الاعلام الهتلري لمجرد تلميذ مبتدىء أمام مهارات بعض اجهزة الاعلام بالكذب والتلفيق والتحريض ، والمواطن العربي " المسكين " أصبح في حيرة من أمره ، واصبح مشوشا لا يصدق اي طرف وخاصة ان كان موضوعيا ونزيها وغير مسيس ! من هنا تنبع اهمية الحفاظ على نقاء وموضوعية بعض المواقع النظيفة المتبقية " كعود الند " مثلا ! ودمتم مع الود والاحترام .


في العدد نفسه

فريدة بن موسى: ماجستير

تأنيث السرد: حوار ناقدين

عن مبدعة الغلاف

كهنة الشعر : عبد القادر الجنابي

الشخصيات العامة الفلسطينية في فضاء فيسبوك