عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

الصفحة الأخيرة - د. عدلي الهواري

في مديح الجهد الفردي


عدلي الهواريالعمل الجماعي مهم في الحياة، وهو من أكثر الأساليب فعالية في تغيير الأوضاع العامة، أو الحصول على حقوق، أو مقاومة الظلم. والحكومات وأصحاب الأعمال يفضلون عادة سياسة فرّق تسد. في الوقت نفسه، إقناع الناس بممارسة العمل الجماعي ليس مهمة سهلة، فلن يجمع كل الناس في أي وقت على رأي أو فعل.

بالنسبة إلى مجلة "عود الند" الثقافية، يخطئ من يظن أنني أردتها أن تظل مبادرة فردية كل هذه السنين. توقعت لها بعد بعض الوقت أن تجذب متطوعين بعضهم يراجع المواد قبل نشرها، وبعض آخر يهتم بالترويج لما يُنشر في المجلة، وبعض ثالث يهتم بالجانب التقني المتعلق بالموقع.

بيد أن المتطوعين كانوا قلة، وفترات التطوع ليست طويلة.

لكن رب ضارة نافعة. بقاء "عود الند" مبادرة فردية كان له فوائد، وعلى رأسها الاستمرار كل هذه الأعوام، ولو كانت "عود الند" مبادرة جماعية لعانت من واحد أو أكثر من الأمور التالية:

1. اختلاف في الآراء حول مسائل مهمة وغير مهمة، فقد يرغب أحد المشاركين في المبادرة الجماعية أن يكون للمجلة توجه سياسي أو أيديولوجي، فإذا نجحت محاولته من خلال إقناع أغلبية تتفق معه في الرأي تكون المجلة انحرفت عن تصوري لها. وإذا أخفق، من المحتمل أن ينسحب من المبادرة، ويشجع الآخرين على الانسحاب منها أيضا.

2. في العمل الجماعي هناك دائما من يسعى إلى تولي الزعامة، فقد تبدأ مبادرة ما بمشاركة جماعية على أساس المساواة، ولكن هذا الوضع لا يدوم طويلا. سوف يبدأ أحدهم السعي لكي يصبح زعيم المبادرة، وهذا يحدث حتى لو لم يكن الساعي إلى الزعامة الأكثر اجتهادا وإبداعا وأهلية وأحقية بين بقية أفراد الجماعة.

3. في العمل الجماعي لا يبذل الجميع جهدا متساويا، بل يكون بين أعضاء المجموعة من هو قليل العمل كثير الكلام، ومن غير المستبعد أن ينسب من هو ضمن هذه الفئة لنفسه فضلا كبيرا على المبادرة.

لأن "عود الند" ظلت مبادرة فردية، كان تطورها طبيعيا، فهي بدأت كمجلة تستهدف الشابات والشباب بغية تشجيعهم على الكتابة بلغة عربية سليمة، ولكنها أصبحت مقصد الكثير من الأساتذة الجامعيين، بحيث أن اقتراح تحويلها إلى مجلة محكّمة يتكرر.

ولأن "عود الند" ظلت مبادرة فردية، فقد بقي قرار وقف الصدور أو الاستمرار قراري وحدي، فبعد ثلاث سنوات، وتحت ضغط الدراسة الأكاديمية، أعلنت التوقف، وتراجعت عن القرار بعد مرور شهرين. وبعد عشرة أعوام، قررت تحويل "عود الند" من مجلة شهرية إلى فصلية. وبعد مرور خمسة عشر عاما، أعلنت مرة ثانية التوقف عن الصدور، ولكني تراجعت عن القرار ولم يتأثر في هذه المرة انتظام صدور الأعداد.

ولأن "عود الند" ظلت مبادرة فردية، فقد بقيت تمثلني شخصيا، وتجسد قيمي، وكنت ولا أزال مصرا على خلوها من الإعلانات التي نادرا ما تجد موقعا يخلو منها، وكل موادها مفتوحة، ولا توجد شروط مثل التسجيل في الموقع قبل تصفحه.

هل من الممكن تطوير "عود الند"؟ كل من يقترح عليّ فكرة تطوير المجلة له تصور مختلف، ولا يأخذ في الاعتبار أن كل تصور للتطوير يحتاج إلى موارد مالية وجهود شخصية. إضافة إلى ذلك، مسألة التطوير المعتمد على مجموعة تعيدنا إلى نقطة ندرة المتطوعين وقصر فترات تطوعهم، وإلى نقاط عيوب العمل الجماعي. إن المجلة في وضعها الحالي لا تعاني من تقصير في أداء دورها في النشر الثقافي الراقي، فهي منتظمة في الصدور، ولا تزال تنشر مواد عالية الجودة، وهي تمثل نموذجا مختلفا عن المواقع والمجلات الثقافية.


عود الند: لوغو دائري

D 1 أيلول (سبتمبر) 2023     A عدلي الهواري: بحوث ومقالات وقصص     C 0 تعليقات