عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

الصفحة الأخيرة - عدلي الهواري

شقة طالب


شقتي في بلاد الحرية كانت تتكون من غرفتين صغيرتين، ومطبخ وحمام. تدخلها فتدخل إلى المطبخ أولا. طاولة الطعام الصغيرة تكاد تعترض على فتح الباب بشكل كامل. الشقة بكاملها بالكاد تكفي لشخص واحد. ومن أجل أن يبقى فيها متسع للحركة، كان لا بد من الحد من الأشياء التي توضع فيها. ولم يكن هناك الكثير لوضعه في الشقة: سرير واحد. طاولة واحدة. جوارير ملابس. أما في المطبخ فهناك مقلاة وملعقة وسكين وشوكة وفنجان للشاي.

الحمام في الشقة يحتوي على بانيو قديم. والبانيو لا يتخلص من الماء بسرعة، ومواسيره تغلق من حين لآخر. أرضية الحمام مشقوقة. وحول البانيو شقوق تسرب الماء إلى الشقة السفلية. الدوش له حنفيتان. في كثير من الأحيان لا يحلو للماء البارد في إحداهما والساخن في الأخرى أن يتعاونا لصنع ماء دافئ. وعندما كنت أريد أن استحم، وخاصة على عجل، فالحنفيتان إما تعطياني معا ماء باردا أو حارا، ويتصادف هذا أحيانا مع الطقس السائد، فأحصل على الماء البارد شتاء، والساخن صيفا، وهذا أمر يثير سخط إنسان عار في الحمام.

الباب الخارجي يكاد خشبه لقدمه يتساقط تلقاء نفسه. ولما نسيت مفاتيحي في مكان آخر ذات يوم، ركلت الباب، ففتح، وبقي باب الشقة بدون قفل شهرا أو أكثر. وعندما أحضرت قفلا جديدا، كان عليّ أن أنحت خشب الباب لأدخل القفل الجديد محل القديم، ولكن بالمقلوب.

في الشقة وحولها ما يُشعر بالحد من الحرية. على شباكين هناك أسلاك شائكة للحماية من السرقة بالتأكيد، ولكن كتذكير قوي أيضا بالحرية المحدودة، وبوطن الأسلاك الشائكة. الغبار يدخل الشقة من كل فتحة شباك. خيوط العنكبوت يحلو لها التكوم في كل ركن من أركان البيت. أما الصراصير فحدث عنها وأطل الحديث. إنها في كل مكان. في المطبخ. في الحمام. بين الأوراق. إنها المخلوق الوحيد الذي يشعر باتساع الشقة، والذي لا حد على حريته، فتتجول في كل أنحاء البيت بمنتهى الطلاقة.

لو قفزت على أرض الشقة عدة مرات لنزلت إلى الطابق السفلي. ولو ضربت على الجدران عدة مرات، لأحدثت فجوة. الورق الملتصق بالجدران ينفك عنها. الدهان (الطلاء) وطبقة الإسمنت الرقيقة على السطح يتساقطان شيئا فشيئا. التدفئة في الشقة تعطى بالقطارة. ساعة عند مغيب الشمس، وساعة في الصباح. والضوء على مدخل المبنى والأدراج (السلالم)، مطفأ أكثر مما هو مضاء. وصاحب الشقة يسارع في نهاية العام الأول من العقد لزيادة الإيجار بنسبة 13 في المئة.

= = =

نيويورك 1982

JPEG - 74.6 كيليبايت
عدلي الهواري
D 1 أيلول (سبتمبر) 2022     A عدلي الهواري: بحوث ومقالات وقصص     C 0 تعليقات