عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

زينب عودة - فلسطين

آه يا بحر غزة


جثمت أنفاسي على صدري تشكو ضيق بؤس وحال. لم أجد أمامي سواك أيها البحر. تقودني قدماي إليك بخطوات مثقلة، وببركان غضب، وأكوام حزن، وهموم تتراكم هنا وهناك. ألقيت نفسي على رمالك الناعمة، وكنت أنت أمامي.

تركت الحصى جانبا. كفاني صلابة الأحداث. وعلقت عيناي بأمواجك: موج يتلوه موج. وجدت نفسي بسرير فوق الرمال. أغمضت عيني لأراك أنت وحسب.

آه يا بحر غزة

تفترش همومي على تلاطم أمواجك العاتية، تصب غضب البركان. وكلما اقبل موج، دخل غرفة منامي، وأزاح ذرة عبء على صدري من قسوة الزمن.

آه يا بحر غزة

لو لم تكن بحرا لكنت جدارا. خذني، ابتلعني، فأنت أرحم بي من الرفاق، وحتى ممن يجيدون لغة الكلام. جئت إليك باختياري، برقة قلبي، وهمس عيني، وصمت شفتي. جئت إليك بجروح تسري بعروقي، تستصرخ: تقول أنا إنسان. لطالما كان الدهر مملا يخمد نار الأشواق.

آه أيها البحر

كم غرقنا في بحر التاريخ! وكم جفت الأقلام! أرى في الأفق عنوان وطني، ونجوما تجذبني إلى حيفا ويافا، ونورا يبعث الأمل وسط الضجيج وحلكة الظلام.

آه يا بحر غزة

بقي بك البحر، وغرقت غزة في بحر آخر، لونه مخضب بالدماء. خريطة بدائرة النسيان، وسجان تفوح رائحته بقذارة الكذب.

آه يا بحر غزة

طال الوقت، وقتلني البعد، ووجع الاشتياق. أكان لا بد أن أقبل قدري؟ أن أبقى هنا حيث لا ظل ولا خل؟ بقعة صغيرة كثر فيها النمل، يبني قصورا من الرمال. شاطئ ممتد، تاهت بين رماله الأقدام، صغيرة وكبيرة، ترسم المجهول، وقد تخط طريق الضياع. دامس ليلك يا بحر غزة، وغربة تلف مخيمات بائسة شدوا إليها الرحال.

آه يا بحر غزة

بجنونك، بعمقك، بغدرك، وبشموخك استرجع ذكرياتي: براءة طفولتي. لعبتي الصغيرة. حتى خرمشة قطتي. تتكسر موجات غضبي، ويشل تفكيري لحظات، ويسرح خيالي إلى بيت دفن تحت الرماد.

آه يا بحر غزة

كم جلبوا لنا الدمار! غرباء استوطنوا دياري، وضيعوا حلمي. دنست أقدامهم مسجدي. واقتلعوا شجرة زيتون كانت تعتلي الديار. سرقوا علمي وقدموا لي العزاء. ومزقوا عش عصفور يعتلي غصن شجرة التين. لم يبقوا لي شيئا. حتى أنت يا بحر غلقوا كل الأبواب المؤدية لك.

انتظرت الغروب، ومسكت ورقة كتبت على ظهرها أسراري، خريف عمري وكل كلماتي. ما أجمل شمس غروبك يا بحر غزة! وعلى مقربة منك كروم التين والعنب. همست، تمنيت، صرخت، وبعمق جرحي بكيت، علك يا بحر غزة تفهم.

آه يا بحر غزة

أأدركت آهاتي أم ليس بعد؟ بعدد حبات رمالك، وبعدد تلاطم أمواجك، كان القلب يرسم للحب عنوانا، وللبعد مشوارا مخضبا بدماء وبحسرات وآهات بين كل المسافات. آه يا بحر غزة.

شمس الغروب: غزة

D 1 آب (أغسطس) 2007     A زينب عودة     C 0 تعليقات