عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

صلاح الغريبي - عُــمـــان

الكلمة قوة وتأثير


اشتياق كثيرين إلى الكلمة الجميلة لا يعادله شوق، بل يصل إلى حد اللهفة إليها والعشق لها، فحينما يستمعون إلى حكمة أو بيت من الشعر يحاكي شيئا في دواخلهم، تحس أنهم كأطفال صغار وقعت أعينهم على قطعة حلوى أو لعبة تسلي وقتهم. حينما تشرق شمس يومهم بكلمة عذبة تهديهم إياها لفتة طيبة من أحد المحبين أو الأعزاء فإنها تكون مفتاحا لسعادتهم بقية يومهم، والعكس صحيح، أبعد الله عن الجميع الكلمات الشقية والفظة.

تجلو الكلمة الجميلة الهموم عن الفؤاد وتبعد المصائب، ولكم دفعت عن كثيرين الهم والألم. وهي كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء كما في الوصف القرآني الكريم. تزين صاحبها في قلوب من يتلقون كلامه، فيحسون بجمال قلبه قبل أن ينظروا فيجدون المظهر مطابقا في الجمال للجوهر، إذ يفيض ما في الروح من حسن على لسانه ليعم الوجود من حوله، وتنطبع كلماته الرائعة قبلا طاهرة في قلوب من يسمعون حديثه.

هذا هو عالم الكلمة، عالم مفرط في القوة والتأثير، فكلمة ترفع صاحبها، وأخرى تهوي به. وهذه الأخرى لا تخرج إلا عن أناس تلطخت أفئدتهم بأضغاث الحياة، أو أنهم لم يجدوا من الحكمة موازين تزن أقوالهم قبل خروجها حية إلى عالم الوجود والشهادة، فإن من الحكمة التفكير قبل النطق والمراجعة بعد النطق، واستدراك الخطأ قبل فوات الأوان.

كلمات صنعت الحضارات، تشكلت نصوصا مكتوبة شعرا ونثرا، صاغت الحضارات الإنسانية كما يصوغ الصائغ المعدن الخام، فيصير في هيئته النهائية قلادة أو خاتما أو حليا تخلب الألباب ولا تقدر بثمن، بعد أن كان ملقى لا قيمة له. وتنبني على معانيها وتأويلاتها ثقافات وأفكار جديدة، تجعل الناس متباينين ومختلفين كما تختلف الألوان في الطبيعة، فيكون الجمال: أساسه الاختلاف، وليس بالضرورة الاتفاق.

يا لها من ثروة حقا هذا الكلمة، لمن يستطيع أن يأخذها من منابعها الصافية، ثم يهذبها في روحه ويزنها بعقله، وبعد ذلك يخرجها جوهرة في غاية الروعة والجمال.

D 1 آب (أغسطس) 2007     A صلاح الغريبي     C 0 تعليقات