عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هبة الأغا - فلسطين

ثلاث قصائد في الأمومة


هبة الأغا1/3

أحفظُ خزانةَ صغاري كخارطة، كشارعٍ مَليءٍ بالمطبّات

وأعرفُ غسالتَنا المزعِجة، أجمعُ من أجلِها كومةَ غسيلٍ كبيرة، يتمدَّدُ الغسيلُ مثلَ رجلٍ كسول، فتفاجئُنِي سُترةٌ كُحليّةٌ مُقلَّمة كأنني أراها لأولِ مرّة.

أحتفلُ بزوجينِ من الجرابينِ التَقَيا أخيراً، أرى ابتساماتٍ صغيرةً في فستانٍ أحمر، وجدائلَ شقراءَ وعيوناً عسلية، وتباغتُني رجولةٌ تكبُرُ في كنزةِ الصوف وجسدٌ يَشقُّ طولَه مثلَ نخلة، وصوتٌ خشن!

أطرافُ أصابِعي تتحوَّل إلى قَفَّازات، حينَ أتذكَّرُ كيفَ تشقَّقَت أصابعُ أمّي، وهي تدعكُ الغسيلَ في طُشطِها المتهالِك، فيتحوَّلُ قلبي إلى شالٍ على كتِفَيها.

أنفُضُ سلَّتي، أخبِّئُ بعضَ الحنينِ في مِعطفٍ قديم.

وأدسُّ في جَيبِ سروالِ الجينز بقيةً من ذكريات!

3/2

أعودُ منَ المعركة، من الحياةِ إلى الحياةِ، كبلدوزر لا يهدأْ

أتكوَّرُ على نفسي كلَّ مساء، أجرُّ خيباتِي وحقيبةَ اللابتوب

أُلملِمُ بقايا الحُبِّ المتناثِرِ في شَقَّتِنا، أَضَعُهُ في صينِيّةِ بطاطس بالكُفتة، أو طبقٍ كبيرٍ من الباستا بالكريمة

وأتساءَلُ كيفَ تُجيدُ المطاعمُ صنعَ البيتزا

أكثرَ منّي!

ويتكرَّرُ الأمرُ

ثلاثين مرّة

ثلاثين شهراً

ثلاثين عاماً

ولا شيءَ يُساوي حرارةَ الفرن إلا وجبةَ "دنيس مقلي" يتناولُها الصغارُ مع أبِيهِم في يومِ جمعةٍ وحيد، يضحكون ويتقاتلون، يصنَعُون المقالِب ويَكبُرُون على ذاتِ الكرسي

ثلاثين يوماً

ثلاثين شهراً

ثلاثين عاماً

سيعودُ أبُوهم متسلِّلاً آخرَ الليل، ومعه "كيس الحجات" فيسألُ عنِ الصغار، وينسَى أنّهم كُبُروا.

3/3

تسألُ يارا أسئلةً وجوديّةً أطولَ منها، ترسمُ الملائكةَ بلا أجنحةٍ، يُغمغِمُ كامل، يدورُ في الهواءِ ويقذفُ الكتب، يصنعُ بقدميهِ حركاتٍ بهلوانية، يقضِمُ تفاحةً حمراء: نكرهُ
المدرسةَ يا ماما!

ويمرُّ الوقت.

تتفقّدُ يارا أحلامَها، يجلسُ معَها الحصارُ داخلَ الصالة، لن ترتديَ أزياءَ فروزن في عيدِ ميلادِها القادم، ولن يحملَها بالون هيليوم مثلَ فيلم (up) .

نقاشاتٌ لا تنتهي، كُراساتُ الواجبِ تتطايَر، أُزمجِرُ بصوتٍ مزعج، تنهالُ الشتائمُ والحفَّايات

ثمّ يتوقفُ في حلقِي الكلام!

تراقبُني المرآة، أخبِّئُ منها النمَشَ المتناثرَ على وجهي

وزني الزائد، حزني المتراكمَ على سَجَّادةِ الصلاة

أصدقائي الخائفين، ونصوصي المبتورة، ورغبةَ امرأةٍ في اعتلاءِ الحياة.

أُلملِمُ جَناحيَّ وأعيدُهما مكانِهما، أنظرُ للصغارِ ولأبيهِم المُتعَب، أفتحُ للأمومةِ جناحاً كبيراً على مِصرَاعيه

ويخرجُ من شبَّاكِ قلبي طائرٌ صغير.

يقفُ على سطحِ منزلِنا

ويغني!

D 1 آذار (مارس) 2022     A هبة محمد الأغا     C 0 تعليقات