عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مختارات: غالب هلسة - الأردن

وديع والقديسة ميلادة وآخرون


غالب هلسانامت نجمة ساعات قليلة، ثم أخذت تتثاءب وتتمطى. فجأة داهمها الشعور بأنها تأخرت. نهضت مسرعة وفتحت باب الدار. كانت بقايا الليل في أطراف الحوش، في الظلال المستقرة في الزوايا وخلف الدواب. سماء مارس بدت صافية بلا غيوم، سماء كما يجب أن تكون السماء: نجوم قليلة شاحبة، وزرقة داكنة. لسعها برد الصباح فعادت إلى داخل الدار وهي تعاني مشاعر متناقضة: عليها أن تسافر أولا ولكنها لا تحب أن تغادر بيتها. كانت تستطيع أن تسمع من الحوش حركة الفرس القلقة وهي تخبط بقدميها. الفرس هي الوحيدة التي تشاركها قلقها.

الزيت ما زال مشتعلا أمام أيقونة العذراء، ولكنها لم تستطع أن تركع أمامها مثل كل يوم وتصلي. فكرت: "عندما تضرب الفرس الأرض بقدمها فذلك دليل شؤم،" ثم نسيت ذلك. شدت اللحاف من فوق سعاد وصاحت:

"يا بنت يا سعاد، ياختي ريتك ما تنامي في حضن العريس، قومي. شوفو ياختي البنت بعدها نايمة."

أخذت سعاد تتمطى. رفعت رأسها وهي تعدل خصلات شعرها، وتفرك عينيها وهي تقول بسوط مستطيل متثائب: "يا ربي."

"ربي ياخدك، قومي وقوّمي القرود اللي نايمين، ونهضي الفراش، واخفقي العجين، وسوي فطور لاخوانك، واعلفي الدواب."

نهضت سعاد ومدت ساعديها على امتداد كتفيها وهي تتثاءب. بدت طويلة قوية، في وجهها الأسمر لمعة الصحة، وعنقها طويل شامخ. كانت تتصرف بوحي حرية وتلقائية وبثقة.

لم تكلف نفسها بإيقاظ الصغار، بل شدت المرتبة من تحتهم، فتكوموا على البساط البالي، وأخذوا يستيقظون ببطء وهم يصارعون الغولة التي طلعت لهم في المنام مهددة بأكل الصغار الذين لا يطيعون أمهاتهم. أكتشف موسى كسرة خبز كان قد سرقها وداهمه النوم قبل أن يتمها. وارتفع صوت ميخائيل وجلوه مختلطا ببكاء بلا دموع:

"جعانين، أيوه جعانين، ليش موسى يعني؟

ومضى موسى يقضم الكسرة وهو نصف نائم.

نهض وديع وأدار رأسه المحلوق على الصفر في نواحي الدار، وشد البيجامة المليئة بالرقع من مختلف الألوان، ثم سار وقرفص قرب الزير وأصدر أمره الذي لم يلب قط:

"سعاد، تعالي صبي علي ميه، بدي أغسل."

كان يقول ذلك كل يوم بوقار وثقة، شأن الذي يطاع دوما. ولكن سعاد فعلت ما تفعله كل يوم، إذ دفعته بقدمها كشيء يعترض طريقها، فتدحرج على قفاه، فنهض وهو ينفض بيجامته والتفت إلى أمه مشهدا إياها على ما حدث:

"شايفة البنت؟ وكمان وسخت البيجامة."

فردت سعاد: "ياخوي أي هيه بيجامة هذه؟ شوف كم رقعة فيها. استح على نفسك وما تقول بيجامة."

أخذ وديع يزعق: "بتلوميني، بتلوميني لو موتها يعني؟ بتلوميني؟"

فقالت: "بستسمح منك يا أستاذ وديع، وأهل السماح ملاح."

لمعت على وجه الأم ابتسامة سريعة ثم أخفتها وقالت:

"تحط عقلك في عقلها يا ابني وأنت شاب متعلم؟ ياللا البس في سرعة وخليها تحضر فطور"

"سمعتي ايش قالت عن البيجامة؟

فردت الأم: "سمعت يا ابني، ما هي مجنونة وجاهلة."

عند أول خيوط الشمس كان وديع يقف مستعدا في الحوش وهو ينادي:

"استعجلي يامه، بينادوا."

قبلت نجمة سعاد، ثم تساقطت دموعها عندما قبلت الصغار، وهي تردد وعيد توصيتها لابنتها التي حفظتها الآن عن ظهر قلب ووديع يستعجلها.

ثم سارت الأم وسعاد وراءها تسير حاملة الخرج والدجاج والسلة. وضعتها على الجحشة وانطلق الصغار يركضون ويزعقون:

"خذينا معاكي يامه على القديسة، خذينا يامه."

أمسكت بهم سعاد وأدخلتهم الدار.


غالب هلسا: من مواليد ماعين- الأردن عام 1932. توفي في دمشق عام 1989.

المقطع أعلاه من قصة بعنوان وديع والقديسة ميلادة وآخرون. منشورة ضمن مجموعة قصصية تحمل العنوان ذاته. الناشر: أزمنة للنشر والتوزيع - الأردن (2002)، الطبعة الثانية.

JPEG - 41.7 كيليبايت
غلاف رواية لغالب هلسا
D 1 آب (أغسطس) 2006     A غالب هلسا: مقتطفات     C 0 تعليقات

بحث



5 مختارات عشوائية

1.  كاريكاتير: ع 24

2.  البحث عن الشباب الضائع

3.  البناء النفسي ودوره في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها

4.  بائع شعر البنات

5.  القارب والمرجيحة: مسرحية

send_material


microphone image linked to podcast



linked image to oudnad.net pdf_xive
linked image to oudnad.net/dox