عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مختارات: غالب هلسا

الدلالات للبناء النرجسي في "وليد مسعود"


أدناه مقتطف من قراءة الروائي والناقد الأردني الراحل، غالب هلسا، في رواية "البحث عن وليد مسعود" لجبرا إبراهيم جبرا عنوانها . القراءة نشرت في العدد 118 من مجلة "شؤون فلسطينية". أيلول (سبتمبر) 1981.

غالب هلسالا أعتقد أن أحدا يستطيع أن ينكر أن الرواية قد رسمت لنا صورة كاملة لدكتاتور العالم الثالث، من خلال شخصية وليد مسعود: الشخصية الأبوية الطاغية، رفض الحوار وسماع الرأي الآخر، وضع آراء سطحية موضع التقديس واعتبار كل من يعترض عليها حاقدا، سيء النية، وعميلا لدولة أجنبية، والإحساس الغيبي بأن القدر —أو النجوم— في حالة وليد مسعود— هو الذي اختاره، وحدد له الدور؛ وأن القدر اختاره لأنه النسر وسط طيور قعيدة.

وهذا النمط بالذات هو الذي يلوّح —لا يمنح بالفعل— برغيف الخبز، ويسحق كل فكر مخالف سحقا. فهل هذا النمط من الشخصية هو الذي يخلق الإنسان الحر، والذي يخلّص المواطن من السلفية، ويقوده في طريق التقدم والإسهام في الحضارة العالمية؟ بالطبع لا.

أما الاحتمال الآخر، وهو أن المؤلف أراد أن يخلق شخصية تبشر بآراء تتناقض تماما مع سلوكها وشخصيتها فهو غير وارد قطعا. أي أن التناقض هنا بين القول والفعل هو تناقض المؤلف ذاته، التناقض الذي لم يكن يعيه. أما دلالة هذا التناقض، فسوف نؤجل الحديث عنها إلى بعد حين. وكذلك سوف نؤجل الحديث عن التناقض بين فكر وليد مسعود والظروف الموضوعية في العالم الثالث.

وليد مسعود ثائر فلسطيني، يؤمن بالكفاح المسلح كسبيل لتحرير بلده من الاستعمار الاستيطاني. أو هذا ما تجهد الرواية لأن تقنعنا به. وهو لم يكتف بالإعلان عن ذلك، بل أنشأ، أو شارك في إنشاء —هذه النقطة غير واضحة— منظمة فدائية لتحقيق هذه الأهداف.

وقد ذكرنا، منذ قليل، أن ذكريات وليد وتداعياته، وهمومه اليومية، لا تشير من قريب، أو بعيد إلى المهمة التي كرس لها حياته، وربما موته. إن كل ذلك ينحصر في ذكريات طفولته، أو في علاقاته داخل المجتمع العراقي.

جبرا ابراهيم جبراوإذا انتقلنا إلى فكر وليد مسعود الاجتماعي والسياسي، نجد أنه يغفل تماما القضية الفلسطينية، والثورة الفلسطينية. فالمأزق الذي يطرحه هو مأزق المجتمع العراقي الذي يعتقد وليد أنه أمام خيارين: التنمية القسرية أو الليبرالية. ووليد لا يتردد في اختيار الليبرالية كحل. ولكن كيف حدث لقائد الثورة الفلسطينية أو لأحد قادتها البارزين ألا يولي ثورته، التي تتم في ظروف معقدة، أي التفات؟

لا أعتقد أن إنسانا عاقلا يستطيع أن يزعم أن مشكلة الثورة الفلسطينية هي الاختيار بين التنمية والليبرالية، فهذه قضايا لا تطرحها ثورة بلا أرض، بل إن هذه الثورة قد حددت خيارها في القضاء على مجتمع ليبرالي، يشكل من ناحية سياسية وعسكرية امتدادا لمجتمع ليبرالي آخر —أميركا— وإقامة دولة علمانية فلسطينية. فأين تقف فلسفة وليد مسعود من هذه المعادلة؟

والثورة قائمة على العنف. تهدف إلى القضاء على معادلات اجتماعية قائمة، وإلى إحداث تغييرات جذرية في التكوين الاجتماعي والطبقي داخل فلسطين، وتقيم تحالفات محلية ودولية انطلاقا من هذا، فأين تقف فلسفة وليد مسعود من هذا كله؟

إننا نستطيع القول، ببال مستريح، إن وليد مسعود مقحم على ثورة لا علاقة له بها، ولا تربطه بها أهداف واحدة، ولا لغة مشتركة، ولا موقف مشترك.

= = =

هلسا، غالب. 1981. الدلالات للبناء النرجسي في "وليد مسعود". شؤون فلسطينية، 118، ص 93-114.

JPEG - 32.2 كيليبايت
غلاف رواية البحث عن وليد مسعود
D 1 آذار (مارس) 2019     A غالب هلسا: مقتطفات     C 0 تعليقات