عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مختارات: فيصل درّاج

لم نعد جواري لكم: الجوهري والهامشي

دراسة في رواية سحر خليفة: قول الرواية وأقوال الواقع


لم نعد جواري لكم: الجوهري والهامشي

الناقد فيصل دراجرواية أولى وبداية، حاولت سحر [خليفة] فيها أن تبني إشكالية محدودة تتضمن جملة مستويات بسيطة. والإشكالية هي: وضع المرأة الباحثة عن تحررها، والقيود الاجتماعية التي تكبح هذا التحرر، وتدفع بالمرأة إلى مأساتها "الخاصة".

منذ السطور الأولى، نكتشف ضيق الإشكالية، أو نتعرف على الوعي المحدود الذي يطرحها: تبحث المرأة عن تحررها بمعزل عن مجتمع يرزح تحت الاحتلال من ناحية، ويحمل تراثا تاريخيا يحكم وعي المرأة والرجل من ناحية ثانية. وعندما تنسى المرأة الباحثة عن تحررها هموم الوطن وتراث التاريخ، فإن بحثها لا يقود إلا إلى الوهم والطريق المسدود.

لا تطرح سحر في روايتها أوهام المرأة الباحثة عن التحرر بمعزل عن هموم الوطن، بل تتبنى هذا الوهم وتقيم عليه روايتها. وفي هذا الوهم، ترجم الرجل بدل أن تطرح الإشكالية الاجتماعية التي تكبح تحرر الرجل:

"علي أن أختار بين عبودية الفن، وعبودية الرجل. والفن عبودية تقود إلى الحرية. أما عبودية الرجل فمذلة وانكسار " (ص 7).

"لا، لن أرضى بهذا. يجب أن تثور المرأة على هذا الوضع، وأن ترفضه. إن مجرد الشكوى لا يجدي شيئا" (ص 7).

"وهذه البلاد لا تحتوي إلا رجالا يحلمون بإناث يحبلن ويلدن، ويحشين ورق العنب" (ص 38).

تحدد السطور السابقة شكل الطرح الذي تتعامل معه سحر خليفة، والهم الاجتماعي الذي تنطلق منه، فالمرأة في زمن الاحتلال ليس أمامها إلا "الرجل أو الفن". وعندما تختار عبودية الفن تبدأ نضالها ضد الرجل الذي يحرمها وجودها الإنساني.

سحر خليفةعندما نقرأ رواية سحر في همومها الهامشية أو الناقصة، ندرك أن كاتبتنا قد ألغت الوطن بممحاة المرأة، أو أنها احتفظت بالوطن، لكنها أعطت تحرر المرأة مكان الأولوية، أي أنها لم تبدأ بجوهر الزمن الفلسطيني، بل ذهبت أو تاهت في استطالات هامشية.

وإذا كانت البداية الروائية هامشية، فإن تطور البداية لن يكون إلا هامشيا بدوره. لذلك، فإن سحر تطلق مجموعة من العلاقات الاجتماعية المحدودة: مثقفون وأشباه مثقفين يتحركون في عوالم ميسورة، ولا يلهجون بمسائل الوطن لأنهم يغرقون في مشاكلهم الذاتية. وإذا تطرقوا في حديثهم إليه، فإن دلالته لن تتجاوز أطراف الحديث. مع ذلك، فإن القارئ يظن أن الرواية تقارب مستويات متعددة: مشاكل العيش والسفر والهجرة. لكن هذا الظن الظن سرعان ما ينقشع، عندما يقرأ من جديد وضع الوطن في الرواية، فالأساسي هو العلاقات الهامشية، وما الوطن إلا غلاف خارجي محدود الدلالة، أو مكان محايد يجري فوقه الحدث الروائي. وقد تتراجع سمات الوطن حتى يقارب الوطن في غيابه دلالة المكان السياحي.

ربما تقول الرواية إن الوطن حاضر في شخصية عبد الرحمن، الرسام المناضل. لكن غموض البطل ونضاله ينفي قول الرواية، فنحن نراه واضحا في عشقه وعواطفه. أما في "أشواقه الكبرى" فيضيع في ضباب الرواية. ويمكن أن نقول بشكل أدق: إن منطق إشكالية الرواية لا يسمح بإنتاج شخصية ترتبط بهموم الوطن بشكل عضوي وصحيح. لذلك، كان من المنطقي أن تعامل الرواية قضية الوطن كقضية أخلاقية ترتبط بالضمير والوازع الأخلاقي أكثر مما ترتبط بالفعل النضالي المباشر: "كان الهدف إرضاء العقل والضمير، وهذا ما فعلناه، وهذا ما نفذناه" (ص 262).

عندما نحاكم رواية سحر فإننا نحاكمها من وجهة نظر علاقة الرواية بالتاريخ، إذ أن الرواية لا تكون جديرة باسمها إلا عندما تحتضن في سطورها ما هو جوهري في الحركة التاريخية، وترسم تناقض هذه الحركة ونزوعها الأساسي. أما عندما تضيع الكتابة الروائية في العارض، فإنها تزول كرواية وتنتهي إلى نافل الكتابة.

أمر آخر هو ما أدعوه "النزعة النسوية" عند سحر، التي تحكم هذه الرواية، والتي ستطفو من جديد في روايتها الأخيرة "عباد الشمس"، فمما لا شك فيه أن مسألة المرأة وتحريرها تحتل مكانا هاما في قضايانا الاجتماعية. لكن سؤال المرأة لا يجد معناه الحقيقي إلا إذا نظرنا إليه كعلاقة اجتماعية في جملة العلاقات الاجتماعية. وتحرر هذه العلاقة لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تحررت العلاقات الأخرى. وأخيرا، فإن رواية "لم نعد جواري لكم" لم تكن إلا بداية، سرعان ما تجاوزتها سحر خليفة باتجاه أكثر أهمية وأصالة.

= = =

المصدر: مجلة "شؤون فلسطينية". العدد 112. آذار (مارس) 1981. ص ص 109-110.

D 1 آذار (مارس) 2023     A عود الند: مختارات     C 0 تعليقات