عدلي الهواري
كلمة العدد الفصلي 03: الثقافة الفلسطينية إلى أين؟
"الثقافة الفلسطينية إلى أين؟" سؤال وجيه لست المبادر إلى طرحه، بل هو القضية التي طرحت للبحث في المؤتمر الثامن لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، التي تأسست عام 1963 وتصف نفسها بأنها "أول هيئة عربية علمية مستقلة خاصة أنشئت للعناية حصراً بالقضية الفلسطينية والصراع العربي-الصهيوني"[1].
جاء في الأخبار أن المؤتمر عقد في جامعة بير زيت، فلسطين، على مدى ثلاثة أيام (30-28 تشرين الأول/أكتوبر 2016). ونشرت صحيفة "الأيام" الفلسطينية يوم الأربعاء، 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 تقريرا إخباريا مفصلا عن جلسات المؤتمر والأوراق التي قدمت فيها[2].
وأود التركيز على محور قال التقرير الإخباري إنه شغل "حيزاً مهماً من اهتمامات المؤتمر" وهو تمويل النشاطات الثقافية. ولا عجب في أن يجذب هذا المحور اهتماما كبيرا، فالتمويل يعطي مؤشرا على الاتجاه، ويساهم في تقديم الإجابة عن السؤال الذي يطرحه المؤتمر.
ينقل التقرير الإخباري في صحيفة "الأيام" عن زياد خلف، مدير عام مؤسسة عبد المحسن القطان، قوله في المؤتمر إن مؤسسته أنفقت منذ عام 1998 حوالي "63 مليون دولار، منها 14,7 مليون دولار من مصادر خارجية"[3].
مؤسسة القطان، أسسها رجل الأعمال الفلسطيني، عبد المحسن القطان، الذي جنى ثروته من خلال تأسيس شركة مقاولات في الكويت. والمؤسسة سجلت في بريطانيا في عام 1993، وبدأت العمل في فلسطين في عام 1998، وتصف نفسها بأنها "مؤسسة تنموية، مستقلة، غير ربحية، تعمل في تطوير الثقافة والتربية في فلسطين والعالم العربي، بالتركيز على الأطفال، والمعلمين، والمبدعين الشباب"[4].
جيد أن يهتم ثري بالثقافة ويعمل على خدمتها في فلسطين وغيرها من الدول العربية. ولكن الملفت للنظر في الأرقام المذكورة أعلاه أن حوالي ربع ما أنفقت المؤسسة (23%) كان من مصادر خارجية.
وكما جاء في التقرير الإخباري في صحيفة "الأيام" فإن مدير مؤسسة القطّان "تحدث عن شركات تدعم الثقافة، كبنك فلسطين، ومؤسسة مجموعة الاتصالات الفلسطينية، ومجموعة باديكو القابضة، والشركة العربية الفلسطينية للاستثمار، والوطنية موبايل، وشركة المشروبات الوطنية، ولكن ليس لديها برامج ثقافية، وأن الدعم غالباً ما يتسم بعدم الانتظام، ويكون للترويج لهذه الشركات، وللمساهمة في تسويق منتجاتها وخدماتها"[5].
يغنيني هذا الاقتباس عن إطالة الحديث عن سبب اهتمام الشركات المذكورة بالنشاطات الثقافية. وأعتقد أن المعلومات أعلاه تعطينا فكرة جيدة عن اتجاه الثقافة الفلسطينية، وهو اتجاه يدعو إلى القلق.
المقلق أكثر، من وجهة نظري، أن مؤتمر مؤسسة الدراسات الفلسطينية نفسه عقد بدعم من بعض الشركات المذكورة آنفا، التي غايتها كما ذكر في التقرير الإخباري الترويج لنفسها و"تسويق منتجاتها وخدماتها".
وليت الأمر توقف على دعم شركات فلسطينية، فقد نشر في ختام التقرير الإخباري "تنويه" أشار إلى الجهات الداعمة للمؤتمر، وكان من بينها "مؤسسة هنرش بل الألمانية" [Heinrich Böll][6]. وهذا يذكرنا بقضية المنظمات غير الحكومية والتمويل الأجنبي.
لن أخفي استغرابي من أن مؤسسة الدراسات الفلسطينية قبلت بفكرة الحصول على دعم لمؤتمرها من مؤسسة أجنبية، لأن مؤسسات الدراسات الرصينة تدرك أهمية أن تكون مستقلة.
قد يكون الرد إن بعض المؤسسات تقبل الدعم المالي غير المشروط، ولكن هذا الرد غير مقنع، فحتى الدعم غير المشروط في الظاهر يولد لدى متلقيه موقفا يحرص على تفادي أي اختلاف مع الداعم لكيلا يتوقف الدعم المالي.
وقد يكون الرد أيضا إن المؤسسات الأجنبية ليست جميعا من نمط واحد، فبعضها قد تكون لديه أجندة سياسية واضحة، وأخرى ليست كذلك. ستختلف جهات التمويل عن بعضها البعض، ولكن النقطة الجوهرية هي أن مركزا مستقلا للدراسات يفضّل ألا يتصرف كما لو كان منظمة غير حكومية معتمدة قليلا أو بالتمام على التمويل الأجنبي، وخاصة عندما تكون المؤسسة مختصة بالقضية الفلسطينية.
مراكز الدراسات التي تأسست بمساعدة من الممولين الأجانب عقدت مؤتمرات ونشرت إصدارات موضوعاتها تهم جهات التمويل أكثر مما تهم مركز الدراسات. وخير مثال على ذلك، مركز الأردن الجديد للدراسات، فمديره، هاني الحوراني، أعلن على صفحة المركز في فيسبوك (2012/5/3)، توقف المركز عن العمل مؤقتا، وشرح سبب التوقف بقوله:
وبالعودة إلى السؤال المهم: "الثقافة الفلسطينية إلى أين؟" يمكنني القول إن موضوع الثقافة الفلسطينية معقد، بالنظر إلى وجود تجمعات بشرية فلسطينية كبيرة في مناطق مختلفة من العالم، ولا يمكن الحديث عنها (الثقافة) كما لو كانت قضية مطروحة على بساط البحث في دولة ذات ظروف طبيعة، عربية أو غير عربية. في الأحوال العادية يمكن طرح قضية "إلى أين؟" على ضوء معطيات تختلف تماما عما هو ممكن في الحالة الفلسطينية، التي تعاني من احتلال وشتات.
ولتوسيع إطار النقاش في هذه المسألة أقول إن السؤال وجيه ليس في السياق الفلسطيني فقط، بل على المستوى العربي عامة. الملاحظ أن الثقافة والفن صارا يعتمدان كثيرا في الدول الغربية على رعاية الشركات، وانتقلت هذه الظاهرة إلى الدول العربية.
حتى بعض المبادرات الكوميدية الشبابية التي انطلقت واشتهرت من خلال يوتيوب بجهود فردية، بدأت تحصل على الرعاية من شركات، بعد أن كانت حلقات "صد رد" الأولى تقول: "هذا البرنامج برعاية: ولا حدا".
ويلاحظ في المنطقة العربية أن دولا خليجية صارت تحرص على تمويل النشاطات الثقافية، بما في ذلك تأسيس جوائز ذات مكافآت مالية عالية. ومع أن القاهرة لا تزال تنتج الكثير من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، إلا أن الإمارات صارت مقصد الكثيرين من الفنانات والفنانين من مختلف المجالات.
لا يمكن القيام بنشاطات ثقافية بجهود طوعية دائما، وقلة الموارد المالية والبشرية تعني محدودية في المقدرة على تحقيق الغاية والتأثير. ولذا من الضروري أن تحصل النشاطات الثقافية على دعم مالي، ولكن ممن؟
= = =
الهوامش
[1] موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية:
http://www.palestine-studies.org/ar
[2] = صحيفة "الأيام" الفلسطينية، 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، على الرابط التالي:
http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=119a5670y295327344Y119a5670
[3] المصدر السابق.
[4] موقع مؤسسة عبد المحسن القطان:
http://www.qattanfoundation.org/ar
[5] صحيفة "الأيام" الفلسطينية، 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016.
[6] المصدر السابق.
[7] صفحة مركز الأردن الجديد للدراسات في فيسبوك، على الرابط التالي:
https://www.facebook.com/UJRCJordan/posts/377707342265963
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- ● كلمة العدد الفصلي 28: الورق والتمويل: وصفة الانتحار البطيء
- [...]
2 مشاركة منتدى
كلمة العدد الفصلي 3: الثقافة الفلسطينية إلى أين؟, هدى أبوغنيمة عمان الأردن | 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 - 18:08 1
تحياتي دكتور أسئلة وجيهة وفي الأسئلة نصف الإجابة الثقافة الفلسطينية لاتنفصل عن عمقهاالعربي الحضاري وتميزت بنبضها المقاوم وبعدها الإنساني وهو الأمر الذي يجعل حصارهافي العالم اأقسى من الحصار بقبضة الاحتلال الأسئلة التي أثارتها مقالتك هي أسئلة الثقافة العربية اثقافة حسن السلوك والانضباط إلى الوراء سر. دمت بخير.
كلمة العدد الفصلي 3: الثقافة الفلسطينية إلى أين؟, هدى الدهان | 5 كانون الثاني (يناير) 2017 - 20:13 2
هل فعلا نصف رغيف افضل من لاشيء؟ اولقمة خبز بمقابل ؟ هل تفضل ان يجوع الطفل ام تعطى له وجبه طعام وملابس مقابل ان يظهر في برنامج خيري هو في الاساس تبييض اموال ودعاية للراعي للبرنامج ؟
انا مع ان لايجوع الطفل .والعرب بالاساس اشد ما ينقصهم وهذا الجيل بالذات هو راع لبرامج ثقافيه . فاحتفالية واحدة ربما تضيف معلومة كان يفتقدها شخص ،صحيح انها افادت الراعي وربما بثت ما يريد ان يقوله من وجهه نظره هو الا ان مؤتمرا افضل من لامؤتمر ولااحتفالية ولاشيء .نصف رغيف افضل من الجوع الثقافي .