عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

زكي شيرخان - السويد

الخلاص


زكي شيرخاننفض رماد سيجارته بقوة، ناظرا إلى المنفضة، يحسب الأعقاب. هذه هي السيجارة الخامسة خلال أقل من ساعتين دون أن يهدأ، أو حتى يبعد عن ذهنه ما يُصدّع رأسه الذي يحمل من الهموم ما يهد من هو أشد منه صلابة وأكثر شكيمة. يحاول منذ أكثر من ساعتين وسط دخان السجاير جمع شتات أفكاره علّه يستطيع حلا لمعضلته التي باتت تلازمه منذ أشهر لم يعد يعرف عددها.

للمرة العاشرة حدث نفسه. "لنبدأ من جديد، ولنبدأ بحل المشكلة على طريقة الرياضيات: (المفروض)، (المطلوب إثباته)، (البرهان). ماذا تهلوس يا هذا؟ أنت أمام معضلة حقيقية، واقعية، ولست أمام مسألة رياضية".

أعطى ذهنه فترة راحة أمدها إخراج سيجارة من العلبة وإيقاد طرفها. كم هو محتاج إلى فنجان قهوة؛ "فنجان قهوة يا هذا؟"

عاد من جديد كمقاتل بعد استراحة قصيرة جمع فيها شتات قوته.

ببساطة شديدة أنت تحتاج إلى مبلغ من المال، تسد بجزء منه جزءا مما ترتب عليك من دين وتنفق الجزء الآخر لشراء معجون طماطم، وزيت سائل، وطحين، وأدوية لأبنتك. أما شراء الدراجة الهوائية التي طلبها ابنك هدية نجاحه فيمكن تأجيلها بكذبة يمكن أن تنطلي عليه.

أما علاج أسنانك التي يجب قلعها جميعا بسبب التهاب اللثة المزمن، فهذا يعتبر ترفا برجوازيا. إنها تؤلمك، ولا تستطيع الأكل إلا بصعوبة، هذا مفهوم. أما صرف عشرات الألوف على أسنان، فهذا بطر وأشر. دعها تسقط الواحدة تلو الأخرى لوحدها.

أحس بقرصة جوع في معدته. "الجوع يمكن تأجيل اسكاته"، قال لنفسه. واسترعى انتباهه صوت المذياع القريب منه، وصوت المذيع يتلو نشرة الأخبار. الخبر عن توقعات الانتخابات الأميركية. تذكّر خبر استيلاء السود على مزارع البيض في إحدى الدول الأفريقية ذات مرة، حتى أنه لم يعد يذكر اسم الدولة. هذا خبر لا يهمه. لم تعد تهمه الأخبار بالرغم من أنه أدمنها من سنين.

ملازمة المذياع أصبحت عادة عنده أكثر من حاجة، شأنها شأن التدخين أو شرب الشاي. ومن كثرة ملازمته للمذياع أو ملازمة المذياع له باتت زوجته تنعته بالزوجة الثانية، ويحتج مازحا "بل الزوجة الأولى، لأني ملازمه قبل زواجي بك".

عاد إلى محاورة نفسه محاولا أن يهدأ من روعه. "صحيح أن الأمر يبدو في غاية الصعوبة، ولم تعد تملك ما تبيعه، أو بالأحرى فإن ما تملكه لا يباع، لأن المعروض أوفر وأفضل، وما تحتاجه ليس بالقليل. ولكن تذكر أن الله لن يتخلى عن عبده ما دام العبد مع الله". وتذكر "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب".

ها هو، كالعادة، يعود إلى الله. يلتجئ إليه في شدته. يزرع في داخله أملا في الخلاص: "ومن يخلصني مما أنا فيه غير الله؟" هذا هو ديدنه. وإن لم يأته العون، لن يعوزه إحضار نص يعزّيه، لا بل يقنعه، بأن الخير هو فيما أبتلي. وما أكثر بلواه!

عود الند العدد الفصلي الثالث

D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2016     A زكي شيرخان     C 0 تعليقات