عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

د فراس ميهوب - سورية

سألتني أُمِّي


فراس ميهوب

اليوم الأول

هاتفتني أمي مساءً.

سألتني، إن كنت بخير؟

كيف أكون بخير، وأنت غائبة عني، أيكون الطير هانئا، وريشه صار نتفا؟

صرت كشارع الأحلام، انطفأت قناديله في ليلة غاب فيها نور القمر.

من يذكرني بحكايات طفولتي؟

عن فأرة التهمت سكان مدينتنا، ثمَّ عادت وصفحت عنهم، فعادوا للحياة.

عن سبحات في أيدي الصالحين، انقلبت حباتها إلى عَبرات في عيون البائسين.

سألتُ أمي: لماذا يرحل من نحب مبكرا، ودائما دون وداع؟

أجابتني أمي بدمعتين وابتسامة.

لو كان الحنين قادرا على بناء جسر، لصعدت عليه، وقبَّلت يديك هذا المساء.

اليوم الثاني

عادت أمي صباحا، فتحت لها الباب، وسألتني ثانية، إن كنت بخير؟

لا يا أمي، أنا لست بخير، صارت حياتي متاهة، بعد أن كانت خطا مستقيما بين عينيك ومدرستي.

ضاعت أفكاري، كوقت مضى بين خيبتين.

اليوم الثالث

سألتني أمي، إن كنت بخير؟

أدمنتُ الكتابة والسفر، وتعاطيتُ أسوأ أنواع الحبر، لأخرج ذاك الوجع المقيم في الحشا.
مرافئ الدنيا كلّها لا تعادل عتبة لمستْها قدماك.

أجملُ حواضر العالم لا تساوي طاولة وضعْتِ عليها فطوري، حبتي زيتون، وصحن زعتر، وقليلا من الزيت.

اليوم الرابع

سألتني أمي، إن كنت بخير؟

أومأت لها برأسي، ولم أقلْ شيئا.

اليوم الخامس والأخير

خجلتُ لكثرة ما شكوتُ لأمي في كلِّ مرة ألقاها، فأردتُ أن أقول لها: أني أصبحت بخير، ولو كذبا.

انتظرتُ المساء.

لم تعد أمي أبدا، بعد أن كانت تأتيني كل يوم في الحلم، ولكن روحها ما غابت، صارت تشكيلا لكلماتي المنثورة، وسرا مبطنا في قلب أشعاري.

D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2020     A فراس ميهوب     C 0 تعليقات