سعاد العنزي - الكويت
رواية المرأة الكويتية في الألفية الثالثة
-* المقتطف أدناه من كتاب صدر حديثا للباحثة الأدبية والناقدة الكويتية سعاد العنزي.
عنوان الكتاب: "رواية المرأة الكويتية في الألفية الثالثة".
الناشر: دار أثر، السعودية (2012).
توطئة وتساؤل:
إشكالية المرأة والرجل، وإبداع منسوب لما تصوغه الأنثى وفق خطوات متسارعة، تتزاحم وتتراكم، وتبحث عن نقطة ضوء، ومصباح ناقد، وناقدة يضيء لها المسير، يدفعنا للتساؤل، مالنا نعيش وفق هذه الثنائيات في النقد، وما لنا نفرد للمرأة وإبداعها، مباحث خاصة، هل هي مخلوق جديد طرأ على خارطة الإنسانية، فبدأنا نشرحه تحت المجهر، أم إنه كائن بشري أعاد تشكيل وعيه وإدراكه لذاته وفق معطيات الحداثة، ومنظمات حقوق الإنسان، وهل استطاع العالم العربي، أن يقتنع مؤخرا بحقوق المرأة التي شرفها بها الإسلام، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام؟ أتكون هذه الدراسات والمقاربات التي تمر على بدايات وبواكير جهود المرأة في العصر الحديث، بمثل محاولة اكتشاف لأنثى لم تتعلم القراءة والكتابة إلا حديثا؟ واحتفظت بذاكرة الحكي والسرد الشفاهي ليالي “ألف ليلية وليلة"، وشهرزاد الحكاية؟ على حد قول د. عبدالله الغذامي(1) الذي اعتنى كثيرا بالكتابة النسائية، والأدب النسائي، فكان ثمرة هذا الاعتناء بعض الدراسات الأكاديمية، من مثل : "المرأة واللغة"، "تأنيث القصيدة والقارئ المختلف"، داخلا في دهاليز اللغة، وتفاصيل ضمائر الأنوثة والذكورة، لينسب الكتابة للرجل، والحكي للمرأة، فكتابة الرجل هي القاعدة، والمرأة هي الاستثناء؟ وهو المطلق الأبدي، والمرأة الفرع؟
ويزيد الأمر على ذلك لدى الناقد إن جمع المذكر السالم يختص بالمذكر العاقل، من جنس الآدميين والملائكة، فيعلق قائلا: "هنا يحق للمجنون والطفل وكذا الحيوان الذكي أن يدخل إلى قلعة (المذكر السالم)، أما الأنثى فلا يجوز لها الاقتراب من هذا الحق الذكوري الخالص (السالم)".(2)
وإن كنا سنجاري الناقد البنيوي أو ما بعد البنيوي في طروحاته، سنسأل الناقد الذي احتفى بالذكورة بشكل مبالغ به: أليس هذا من قبيل المرونة واتساع الأفق أن احتواء ما هو مؤنث حقيقي أو مجازي في الألف والتاء الزائدتين، كما هو رحم الأم الذي احتوى الابن العاقل والمجنون، والمنحرف والمهتدي.
وعندما يتحدث عن كتابات حديثة ، وإسهامات نسائية مناضلة تجاه قهر الرجل لها، واستلابه لدورها الثقافي والحضاري ، فإنه يقع في غياهب الغرور، ليقنع ذاته، إن المرأة حتى وهي في طور الكتابة، والمناضلة عن ذاتها لا تستطيع الانفصال عن الرجل، بل إنها تتوسل الكلام بألفاظ تخص المذكر وحده، مثلما فعلت نوال سعداوي، عندما كتبت “الأنثى هي الأصل" إذ تقول : "إن القلق لا يحدث للإنسان إلا إذا أصبح واعيا بوجوده".(3)
كما يستند أيضا إلى خطاب مي زيادة في محفل نسوي: “أيتها السيدات... أنا المتكلمة ولكنكن تعلمن أن ما يفوه به الفرد فنحسبه نتاج قريحته وابن سوانحه".(4)
فانتبه الناقد عبدالله الغذامي إلى هذا الضعف الأنثوي الكامن في كلمة : (الإنسان، الفرد) في الاستشهادين السابقين، بوصفهما تابعتين للرجل، وتناسى إن كلمة الإنسان والفرد تطلق على الرجل والمرأة، وإن المرأة وهي في خضم الدفاع عن ذاتها وحقوقها لم تتجرد من موضوعيتها، ولا تحب أن تعيش الرجل هذا التغييب الذي قام به تجاهها مدى تاريخ الإنسانية.
أم إن كتاب "المرأة واللغة" كان بمثابة المحاولة الأخيرة لشهريار بأن لا تتداعى مملكته وقلعته أمام المرأة التي لم تغب عن المشهد الثقافي العربي منذ القدم، فعائشة رضي الله عنها، قامت برواية الحديث الشريف ، ومجالس السيدة سكينة بنت الحسين خير مثال للمرأة الناقدة، والتاريخ الإسلامي دون لشواعر نظمن الشعر، على امتداد الخارطة الإسلامية بغض النظر عن كمية ووفرة ونوعية الإنتاج.(5)
أمام هذه الثورات التحررية التي حدثت في العالم الغربي وحصول المرأة على حقوقها في عام 1920م في العالم الغربي، كان لابد للعرب أن يلتفتوا قليلا لهذا النصف المهمش والمغلوب على أمره، فيعلن كتاب مناصرتهم لحقوق المرأة، ويردون على بعضهم البعض، يناقضون طروحاتهم التي تسير مع وضد المرأة في آن، فيقول د. عالي القرشي، وهو واضعا نصوص الغذامي السابقة في مخيلته، ليرد عليها، بموضوعية لا تنحاز للجنس والفئة، ليستدرك بعد إلقاء الضوء على نص "ألف ليلة وليلة":
"لكن هل هذا التاريخ الذي يجعل الثقافة ولغة الإبداع تنحاز لصالح الرجل ينهض كافيا للبحث عن لغة أخرى للمرأة ؟ المرأة إنسان، وكلمات اللغة كلمات الإنسان، والإنسان يكيف اللغة وفق مقتضيات الخطاب ، فلكل مقام مقال.
والمرأة ليست كل حين معنية بجسدها، ليست كل حين تلبس لبوس الإغراء والفتنة..
لكنها في مواقف أخرى هي الإنسان الشجاع الذي يقف ضد الظلم، هي الذي لا ينظر إلى الحياة بمنظر الذكورية والأنوثة فقط، بل تتماشى مع ذلك الموقف الذي يعلي هذا الوجود الذي يقتحمه الذكر والأنثى ليحقق لوجوده معنى الحياة".(6)
وبعد ظهور كتابة المرأة تخضع هذه النصوص إلى التشريح، والتفكيك، وإعادة القراءة والنظر، فيعبر الرجل في بعض الأحيان عن اعتذارياته لها، في الاعتراف بالمصطلح، الأدب النسائي، أو يذعن إلى أطروحات الغرب المنافحة عن حقوق الإنسان، ومن بينها حقوق المرأة، كما أنه أيضا في بعض الأحيان، ينطلق من إيمانه بقدرات المرأة، التي كان لتغييبها تغييب لنصف المجتمع، وقاسم أمين ورفاعة الطهطاوي من أفضل النماذج المشرقة في النضال عن حقوق المرأة.
مما أدى إلى ولادة المصطلح، وتشكله، مع الاختلاف على كينونته وتشكله، ومفاهيمه المتعددة، بين نساء معارضات له كونه "آت من عدم تحديد وتعريف كلمة "نسائي" التي تحمل دلالات مشحونة بالمفهوم الحريمي الاحتقاري ، وهذا ما يدفع المبدعات إلى نفور منه على حساب هويتهن ، فيسقطن بسبب ذلك في استلاب الفهم الذكوري"(7) على حد قول رشيدة بنمسعود. وأخريات مؤيدات له كونه يكشف عن المناطق المسكوت عنها للإبداع الأنثوي، ولدهور من الصمت والغضب، طال بها، وتحدثت عنه فرجينا وولف في "الغرفة"، واصفة إياه : بالصمت غير الطبيعي: “الناجم عن ولادة المرء في طبقة أو عرق أو جنس غير ملائم ، أو الحرمان من التعليم، أو فقدانه الإحساس في ظروف اجتماعية شاذة ، أو كتمان الصوت بسبب الرقابة ، أو الإعاقة بسبب متطلبات التربية، أو السكوت بسبب الضغط والإرهاب السياسي".(8)
بعضهم من يعرفه، بأنه ما تكتبه النساء وتنتجه، وبعضهم من يراه إنه النتاج الذي يعبر عن ظروف وملابسات قهر المرأة، سواء أكتب عبر رجل وامرأة، ومنهم من يراه ، كتابة المرأة عن القهر الذي تواجهه، من قيود كبلتها عبر التاريخ، فلم تر نفسها إلا تابعة للرجل. ومنه ما تراه د. يمنى العيد في خصوصية الأدب النسائي بأنها : “ليست خصوصية فنية، بل هي خصوصية صادرة عن وعي محدد لدى الكاتبة التي تنتمي إلى فئة اجتماعية ، تعيش ظروفا تاريخية خاصة".(9)
من خلال ما سبق ألا يحق للباحثة أن تؤكد على إدراكها على اقتران الأدب النسائي بمفهوم القهر والعوامل التي تعرقل مسيرة المرأة لدفع عجلة الحضارة والتنمية والإبداع، مثلها مثل الرجل، ليكونا شريكين في صنع الحضارة. لأن قصدية الخصوصية الفنية، لا تعود إلى كون منشئ النص رجلا أو امرأة، بل يعود إلى الموهبة، والثقافة والاطلاع، وطبيعة التصور والصياغة لديه والأسلوب الخاص بفرد دون الآخر.
وألا يحق لنا أيضا، متضامنين مع د. شيرين أبو النجا(10) أن نسأل عن وجود أدب رجالي، يعكس أفكار ولغة وأسلوب الرجل في أدبه وإبداعاته، مقابلا لمصطلح الأدب النسائي، أم إن الأدب الذي يقدمه الرجل هو المطلق، والذي يتمتع بديمومة واستمرارية، لا تحتاج إلى تفكيك وحداتها المكونة لها، وألا يحق لنا أن نقرأ محمد شكري في الخبز الحافي، لنعرف ونتعرف على خصوصية أدب الرجل.
الباحثة ترى إن مصطلح الأدب النسائي، سينقضي مع انقضاء العنف والتغييب لدور المرأة في المجتمع والحياة السياسية، وانتهاء الظروف الاجتماعية التي تحيط المرأة، معرقلة إياها من المضي بسيرورة الحياة ، باتحاد الرجل والمرأة في تشكيل الفكر الإنساني البناء.
وبالالتفات إلى الأدب الكويتي، وقراءة فاحصة، ومتأملة بالقصة الكويتية، سيتضح إن الفارق، بين بدايات كتابة الرجل للقصة، وبدايات كتابة المرأة، لا يزيد عن عشرة سنين، فبغض النظر عن الاختلاف بأي كانت البداية، لرواية: "آلام صديق"، لفرحان راشد الفرحان في عام 1948م أو رواية "مدرسة من المرقاب" لعبدالله خلف عام 1962م، ومن النساء صبيحة المشاري بـ"قسوة الأقدار" عام 1960م، ورواية "الحرمان" للكاتبة والمخرجة التلفزيونية، نورية السداني عام 1967م.(11)
إن فترة ظهور رواية الرجل والمرأة، هي متزامنة، فأين تكمن الخصوصية في رواية رجل سابقة للمرأة، ورواية نسائية ظهرت ببطء، مما يكون مدعاة للدراسات المشتغلة على الأدب النسائي، وينطبق هذا القول على باقي الأقطار العربية، كون الفن الروائي، فن جديد نسبيا على الساحة الأدبية العربية، مع التأكيد على خصوصية كل قطر عربي، من حيث الاشتغال على الحقل الروائي.
ومن خلال هذه المقدمة التاريخية والاجتماعية لمصطلح الأدب النسائي، ستكون هذه المقاربة على نصوص رواية المرأة الكويتية ، التي أصدرت ما بين عامي 2000م– 2009م، وهي: رواية "العصعص" ورواية "خذها لا أريدها" لليلى العثمان، رواية "حجر على حجر" للروائية فوزية الشويش السالم، رواية "ليلة الجنون" للقاصة منى الشافعي، رواية "هيفاء تتحدث لكم" للأديبة خولة القزويني، رواية "ارتطام لم يسمع له دوي" لبثينة العيسى، رواية "المرآة .. مسيرة الشمس" لهديل الحساوي، رواية "عقيدة رقص" لميس خالد العثمان، رواية "ورود ملونة" لعلياء الكاظمي.
= = = = =
الهوامش
(1) د. عبدالله الغذامي، "المرأة واللغة" ، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1996م.
(2) السابق، ص25.
(3) السابق، ص19.
(4) السابق، ص19.
(5) رشيدة بنمسعود، "المرأة والكتابة"، أفريقيا للشرق، الطبعة الأولى 1994م، ص10.
(6) د. عالي القرشي، "نص المرأة من الحكاية إلى كتابة التأويل"، دار المدى، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2000م، ص 37
(7) رشيدة بنمسعود، مرجع سابق، ص82.
(8) رضا الظاهر، "غرفة فرجينيا وولف"، دار المدى، سوريا، الطبعة الأولى سنة 2001م، ص218.
(9) رشيدة بنمسعود، السابق، ص 76.
(10) د. شيرين أبو النجا، "تجارب نسائية جديدة في الإبداع العربي"، ندوة مجلة العربي، الإبداع العربي المعاصر: تجارب جديدة.. رؤى متجددة"، عام 2009م.
(11) د. خليفة الوقيان، "الثقافة في الكويت"، الطبعة الثانية 2007م، ص251-252.
◄ سعاد العنزي
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ إصدارات جديدة
- ◄ رواية