عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 7: 72-83 » العدد 78: 2012/12 » كلمة العدد 78: غزة: الضحية تقلب معادلة الصدمة والترويع

عدلي الهواري

كلمة العدد 78: غزة: الضحية تقلب معادلة الصدمة والترويع


عدلي الهواري ناشر مجلة عود الند الثقافيةتعرض مفهوم المقاومة إلى سخرية شديدة منذ اندلاع الانتفاضات في العالم العربي في أواخر عام 2010. جزء من السخرية محق لأن الحديث عن المقاومة كان في كثير من الأحيان كلام حق يراد به باطل. رد فعل المقاومة على العدوان الإسرائيلي على غزة أعاد الاعتبار والمصداقية لمفهوم المقاومة، لأن الرد لم يكن كلاما خطابيا، ولا وعيدا باختيار الزمان والمكان المناسبين للرد. وأكد الرد أن المقاومة الفعلية تؤدي إلى التفاف جماهيري، وترفع المعنويات، وتحرك المؤيدين للقضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم.

مقاومة الشعب الخاضع للاحتلال حق مكفول دينيا وقانونيا وإنسانيا. ولكن إسرائيل وأنصارها من الدول، خاصة الغربية التي لم تغادرها الروح الاستعمارية والحس الإمبراطوري، تحاول أن تقنع الشعب الفلسطيني خاصة، والشعوب العربية عامة، بأن إسرائيل حالة استثنائية لا تجوز مقاومتها، ولها الحق في أن تحتل وتضم وتصادر وتدمر وتقتل وتشرد وتنفي وتحاصر كما يناسبها.

عندما غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان عام 1978، بادرت الدول الغربية وغيرها إلى دعم المقاومة الأفغانية، التي تغنى بها حتى الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، فقد أشاد بأعضاء وفد أفغاني زار واشنطن بقوله إنهم مقاتلون من أجل الحرية. وعندما تغير غازي أفغانستان عام 2001، تغير الحديث أيضا عن حق الشعب الأفغاني في المقاومة.

وعلاوة على أن أحد المبادئ التي تستند إليها الأمم المتحدة هو عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، فإن القانون الدولي لا يجيز العقوبات الجماعية ذات الأثر على حقوق الإنسان. وهذا الأمر ليس رأيي أو تفسيري للقانون الدولي، بل رأي شرحه بالتفصيل القاضي البلجيكي، مارك بوسويت (Marc Bossuyt)، أثناء فترة فرض العقوبات الاقتصادية على العراق في تسعينيات القرن الماضي، وكان ذلك في ورقة قدمها في عام 2000 لاجتماع للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة(1).

قطاع غزة يتعرض منذ سنوات لعقاب جماعي من خلال حصار بري وبحري وجوي، وشارك في هذا الحصار الإسرائيلي نظام حسني مبارك، الذي أقام جدارا على الجانب المصري الفلسطيني من الحدود، وروج في مصر لكذبة أن أهل غزة سيخرجون من القطاع ويستوطنون في سيناء (ظهرت الكذبة مجددا أثناء العدوان). ولكن أهل غزة المحاصرين هدموا الجدار. وهذا الحدث يجب ألا ينساه من يبحث عن علامات بشرت بانتفاضات الشعوب العربية على الاستبداد.

في عام 1998، جاء إلى العراق مبعوث من الأمم المتحدة اسمـه هـانـز فـون سبونيـك (Hans von Sponeck). وصرح بعد وصوله إلى بغداد بأنه لم يأت لإدارة العقوبات على العراق. وبـعـد فترة ليس طويلة اكتشف أن دوره في العراق هو إدارة الحصار، فقدم استقالته، وحذا بذلك حذو دينس هاليداي (Denis Halliday) الذي استقال لسبب مماثل.

إسرائيل تدير حصار قطاع غزة منذ سنوات كما يدار السجن، فكل ما يدخل القطاع أو يخرج منه، بما في ذلك الطعام والشراب والوقود معروف. ومن لؤم إدارة هذا الحصار أنه محسوب على أساس السعرات الحرارية التي يحتاجها الإنسان لتلافي حالة التضور جوعا. ولا تكتفي إسرائيل بالحصار طبعا، بل تقصف ما تريد وتقتل من تريد في القطاع.

لم تتعلم إسرائيل من التاريخ أن كل محاولتها المعتمدة على الإبهار، والصدمة والترويع، محاولات فاشلة منذ بدء المشروع الاستيطاني في فلسطين، ومرورا بكل المحاولات الأخرى التي تشمل حربي 1948 و1967، والمجازر، واغتيال القادة، واحتلال جنوب لبنان، وغزو بيروت، وقصف المفاعل النووي العراقي، وتهريب اليهود الفلاشا، وتدمير مصنع للسلاح في السودان. كل هذه الأمثلة وغيرها لم تنجح في توجيه ضربة قاصمة ونهائية للمقاومة كفكرة وممارسة، ولم تنجح في إقناع الفلسطينيين والعرب بأن إسرائيل دولة سوبرمانية لا جدوى من مقاومتها.

هذا الفشل تجلى بشكل فاضح لإسرائيل في العدوان على غزة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2012، فالشعب المحاصر منذ سنوات، الذي لم يلتقط بعد أنفاسه من عدوان 2008/2009، يحتضن مقاومة ردت دون تردد، ووجهت الصواريخ إلى القدس وتل أبيب، فانقلبت معادلة الصدمة والترويع.

أقول كل ما سبق دون أن يغيب عن البال أن غزة وأهلها يدفعون ثمنا غاليا، أو أن رد فعل المقاومة سيؤدي إلى رفع الحصار غدا، أو إلى تحرير فلسطين بعد غد. ولكن تحليل الأمور بهدوء وموضوعية يقود إلى استنتاج حدوث تغيير نوعي في الصراع العربي الإسرائيلي. والفضل في تحقيق هذا التغير يعود للمقاومة، فكرة وممارسة.

ولا أتحدث عن المقاومة بقدسية أو رومانسية، فهي تمر في حالات مد وجزر، وفي بعض الحالات، تنحرف حركات المقاومة عن مبادئها، أو تخطئ فتسيء إلى الشعب إما بالمساومة على حقوقه، أو بإساءة معاملته. لذا، ومع أن إنجاز المقاومة في غزة لا يستهان به، إلا أنه يجب ألا ينسي أحدا مرحلة ما بعد المعركة، وأنّ غاية المقاومة أنْ يعيش الإنسان بحرية وكرامة.

مع أطيب التحيات

عدلي الهواري


(1) الورقة لا تزال متوفرة على الوصلة التالية:

D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012     A عدلي الهواري     C 5 تعليقات

5 مشاركة منتدى

  • أنا أفهم أن تساند الدول الغربية إسرائيل، وتصفق لها وتدافع عنها، فهي كما تفضلت لم تغب عنها روح الاستعمار. ولكن ما لا أستطيع فهمه أبدا هو أن يأتي من بني جلدتنا، من يدافع عن المحتل، بطريقة صريحة ووقحة جدا..!
    فمِن الذي يقول بحق إسرائيل في حماية نفسها من "العدوان"!!
    إلى الذي يقول عن الفلسطينيين وبلهجته الساخرة:(دول بيستحقوا إلي بيجرالهم..وتحية للخواجة الإسرائيلي)!!
    لا أعرف ماذا يمكننا أن نحكي للأجيال القادمة عن هذا الزمن، وماذا ستسميه تلك الأجيال، لكني أتمنى أن تكون أيامهم أقل قسوة، وأكثر إنسانية.
    شكرا لك


  • وللحريـــةِ الحـــمراءِ بـــابٌ
    بكـــلِّ يَـــدٍ مُضَرَّجَــةٍ يُــدَقُّ

    شكراً على المقالة التي تناولتْ هذا الموضوع، وتمتعتْ بهذا القدر من المسؤولية والتجرد والإدراك، ولامستْ عمقَ مشاعرنا.. حتى كينونة الأجسام على اختلافِ طبائعها، من هواءٍ وماءٍ وجماد تتمتعُ بقدرتِها على المقاومة علة وجودها.

    فإن كان لا ينبغي لإسرائيل أن تتحولَ إلى ذئب..؟ فينبغي أيضاً ألاّ نتحولَ إلى نعاج..! وإن كان مالُ العرب للعرب..؟ فينبغي أن تنالَ غزة نصيبَها من زكاةِ أموالنا وسلاحنا..! وإن كان لا ينبغي أن نركبَ الأمواج لنبلغَ غزة..؟ فينبغي أيضاً أن نصلها بأمانٍ عن طريقِ البر..!؟ وإن كان ينبغي أن نعيشَ بكرامتِنا..؟ فينبغي للمقاومة أن تحققَ أهدافَها أولاً..!، وقد انكشفتْ هشاشةُ عدوها مرتين في غزة.. .. ومرتين في لبنان.


  • مقالة جريئة وموضوعية وشاملة وتضع النقاط على الحروف. أنا متأكد أن هذا النص لو القي من على منبر هيئة الامم لأقنع الكثيرين بدلا من اللغو والمبالغات والخطابية الاستعراضية التي الحقت الكثير من الضرر بقضيتنا العادلة. المطلوب الحذر في التعامل في الفترة القادمة فالعدو لا يقبل بالهزيمة، كما يجب التنويه لأن دعم الكثير من العرب لغزة كان دعما منقوصا، فيما يبذلون جهوداكبيرة غير مسبوقة لاسقاط سورياكنظام وتدمير مقدرات الدولة السورية.


  • الاستاذ الفاضل عدلي الهواري..استوقفتني جملة طالما حيرتني ووجدتها هنا و تبادرر الى ذهني نفس السؤال..الم يحن الوقت لغيير طريقة الخديعة؟؟ بالفعل الشعوب العربية تجاوزت مرحلة الصدمة والانبهار والخوف ..واعتادت على الحصار والتعذيب والجوع والا لما صمدت غزة طوال هذه القرون من الالم ..فعلا الا يكف الجانب الاسرائيلي عن اتباع سياسات ..باتت ترسم ابتسامة تجاهل اكثر من نظرة خوف.
    ينطبق نفس الامر على الكثير من الحكام ...لم يكلف نفسه عناء كتابة الجديد ..ولو كذباً..مازال يقوم بنسخ نفس الشعارات و النصوص الخطابية وحتى نفس الاخطاء اللغوية ..منذ ثورات القرن الماضي على الملكية وحتى اليوم ...ناسياً ان الشعوب بالفعل كما كتبت ولكن هنا مع قادتها قد تجاوزت مرحلة الانبهار و التصديق والخوف من سماع الرأي الاخر وبدأت او تكمل الان مرحلة الشك والرفض وفرض الرأي كل على قدر استطاعته.


  • بداية أتفق مع كل ما تفضل به الأخ إبراهيم يوسف، فقد لامس جراحاً نازفة، وأوضاعاً بائسة مزرية.
    وأضيف إن حصار (إسرائيل) لقطاع غزة واحتلالها البشع للضفة الغربية ما كان لينجح أو يستمر إلا بتواطئ دول المحيط، وغيرها، بل وتقديم الدعم والمساندة لإدامة الحصار. ويتورط في ذلك بعض الفلسطينيين الذين باعوا وطنهم واشتروا به ثمناً قليلاً.
    وعودة إلى المقاومة في غزة، فكل مقاومة مخلصة تجد من يلتف حولها ويساندها ويدعمها. الشعب في غزة لم يفكر بهجر القطاع رغم الحصار والتدمير والتضييق... وحتى في أثناء القصف كان الألوف ينتظروف على معبر رفح لدخول القطاع، وهي مفارقة عجيبة وغريبة في آن، ولعل تفسيرها أنه رعم الحصار والدمار فغزة أرحم من غيرها... فقد جرب الفلسطيني الهجرة، فعاش الغربتين.
    كل التحية للدكتور عدلي الهواري على مقالته القيمة.


في العدد نفسه

عن مبدعة الغلاف

نهى جريج وداعا

مـنـفـيـــون

القيم الأخلاقية في القصيدة الجاهلية

عبد الله حمادي: التجربة النقدية