جيهان أبو لاشين - فلسطين
ليسوا أرقاما
غزة: يوميات حرب الإبادة
أدناه مجموعة من برقيات/يوميات/حكايات لجيهان أبو لاشين، الكاتبة المتخصصة بقصص الأطفال، والمقيمة في غزة. النصوص المنشورة أدناه منقولة من صفحتها في فيسبوك. وقد كتبت في أيام متفرقة، نظرا للأخطار المحيقة بأهالي غزة أثناء حرب الإبادة، وعدم توفر إنترنت تمكن الأهالي من النشر المنتظم أو التواصل مع بعضهم بعضا في غزة، أو مع الأقارب والأصدقاء خارج القطاع. تم اختيار هذه النصوص لإعطاء فكرة عن الحياة من قلب الحدث، ففي ظروف هذه الحرب، من غير الممكن التواصل مع كاتبات وكتاب (وغيرهم) في غزة لكتابة نصوص للنشر في العدد الحالي من مجلة "عود الند" الثقافية، أي العدد الفصلي 31 (1 كانون الأول/ديسمبر 2023).
عندما بدأت الحرب [أكتوبر 2023]، وككل الحروب السابقة، تفكرت جيدا قبل حزم حقائبي: أي الأشياء سأحمل معي؟
في البدء شعرت برغبة في حمل كل الأشياء (الأوراق الثبوتية، الصور، الكتب، الملابس، الأحذية، البلاط، الجدران ...). لم يكن حصولي على أي من هذه الأشياء سهلا.
بعد لحظات قليلة أدركت أن حمل هذه الأشياء مستحيل عند لحظة الهروب، فتخليت عن الجدران، البلاط، الأحذية، الملابس، الكتب، الصور، وحملت الأوراق الثبوتية.
عدت للتأكد من الأوراق عشرات المرات؛ للتأكد من أن هناك ما يثبت وجود أفراد أسرتي في هذا العالم (أسرتي المكونة من خمسة أطفال ووالدهم وأنا).
كما في كل الحروب السابقة، وضعت حقيبة الأوراق بجوار باب البيت، المكان الأقرب لحظة الهروب.
أثناء الحروب في غزة، أنا وأسرتي نعيش بجوار باب البيت من الداخل، المكان الأقرب للهروب السريع.
في غزة، خلال هذه الحرب، للمرة الثالثة على التوالي، اضطررنا لمغادرة بيتنا هروبا، وفي كل مرة كنا نعرف أننا نهرب من خطر إلى خطر. يطرح أطفالي عشرات الأسئلة، ولا نملك لأي منها إجابة. (الحرب، أمر أكثر تعقيدا من كل الشروحات).
اليوم، صرخ أحد الجيران: "اهربوا هناك تهديد بقصف البيت"، فهربنا. جرينا دون أن نغلق باب البيت، دون أن ننظر للخلف، ومن فرط الهلع، نسينا الأوراق الثبوتية.
حتى هذه اللحظة نحن نجري مبتعدين، نسمع أصوات الصواريخ والقنابل والانفجارات وتساقط الجدران. لا نعلم إن كانت جدران بيتنا أم هي جدران بيوت الجيران.
حتى هذه اللحظة نجري مبتعدين، وقد سقطت كل ذكرياتنا في الطرق المقصوفة مسبقا. نجري وننزف سيلا من أرواحنا خلفنا. نجري دون أن نعلم أيها سينتهي أولا: نحن أم الحرب.
[الجمعة] ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣
= = =
أحياء: ٢٤ أكتوبر [2023]. مؤمنون بحكمة الله من الحياة، الموت، الموت بالحياة.
= = =
بدأت استخدم الفيس بوك من ٢٠٠٩ تقريبا. ولااااااااااااااااا مرة حطيت صورتي الشخصية. ودايما كنت أحط صورة أحد أولادي أو صورة تعبر عن شخصيتي.
بس شفت الأصدقاء بيحوّلوا صور حساباتهم للون الأسود، كبرت في راسي فكرة أنه نحن أهل أو سكان غزة مجرد أرقام، فصارت عندي رغبة شديدة أني أعبر عن نفسي بصورتي الشخصية.
ملاحظة: اخترت صورة قديمة، من سنوات، قبل الشيب وقبل التجاعيد وقبل حروق الهم والعمر، وهي من أكثر صوري التي أحبها (انو طالعة حلوة فيها وهيكا، وهاد شي نادر يصير).
يا للنساء! حتى وهن محاصرات بالموت يخترن صورهن بعناية.
[الجمعة: 2023/10/23]
= = =
غادرت بيتي مسبقا وذهبت للجنوب. ما ارتحنا، وحسينا انه لازم نرجع إلى غزة ونرابط ببيوتنا بما أن غزة والجنوب تنينهم تحت الخطر. صمدنا لغاية امبارح.
أمس، ٩ نوفمبر [2023] نزحنا عبر الطريق الآمن (هأاوووو). شفنا جثث ومشينا متل القطيع رافعين أيدينا لفوق. ساعة ونصف ساعة بمرمى هدف العدو. ومشينا فوقهم ساعتين ونص لغاية اقترابنا من وجهتنا (الغير أكيدة). يعني حرفيا أنا وأولادي مشينا مدة ٤ ساعات. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[الجمعة: 2023/11/10]
= = =
أنا عن نفسي ضربت الرقم القياسي في التنقل بحثا عن مكان آمن. سبع مرات. كل واحدة أسوأ من الثانية.
[الجمعة: 2023/11/10]
= = =
هذه واحدة من حكاياتنا الكثيرة، وليست أسواها.
يتم تهديد سكان معسكر الشاطئ لترك بيوتهم والتوجه إلى الجنوب عبر طريق صلاح الدين. تغادر عمتي أم إبراهيم، التي قصف بيتها مسبقا في حي الكرامة، وابنتها التي نزحت عمتي لبيتها بعد تدمير بيت العمة، وابنها الوحيد إبراهيم، وزوجة إبراهيم التي فقدت جميع أهلها بقصف بيتهم في بداية الحرب، وأطفال إبراهيم (نصفهم من زوجته المكلومة بأهلها؛ والنصف الآخر من زوجته الأولى التي توفيت بالسرطان قبل عدة سنوات).
يركبون جميعا سيارة واحدة بسبب صعوبة الحصول على وسيلة مواصلات. عمتي أم إبراهيم وابنها الوحيد إبراهيم في المقدمة مع أحد أطفاله. بنت عمتي وأطفالها، وزوجة إبراهيم وأطفاله في المقعد الخلفي. ينطلقون عبر الطريق الآمنة حسب وصف العدو. يطلق العدو الرصاص على سيارتهم. يصاب أحد الأطفال إصابة خطيرة جدا، لو كتبت له الحياة منها قد يعيش بقية حياته على كرسي متحرك.
يصاب الأطفال الآخرون وكل من في السيارة بجروح متفاوتة. تستشهد عمتي حبيبتي. ويستشهد ابنها الوحيد. وتعيش زوجته التي استشهد جميع أهلها مسبقا؛ واستشهدت حماتها التي كانت تعينها على تربية أطفال إبراهيم من زوجته الأولى، ويستشهد زوجها الطيب (حبيبي إبراهيم ما أغلاك!) ويقصف بيتها ويتدمر بالكامل. تعيش لتربية أطفالها وأطفال زوجها من زوجته الأولى.
أطفال لم يتبق لهم لا أب ولا عم ولا خال ولا جدة. ونصفهم فقد أمّّه مسبقا. وحسبها وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[الجمعة: 2023/11/10]
= = =
https://www.facebook.com/jihan.yehya.1