عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

هدى الدهان - العراق

قطرة ندى


استلقي على غصني وغطاء من خيوط الفجر يزحف بعيدا عني. أتململ. اغتسل بقطرات الندى، وأنفضُ ما قد علق بي من تراب ربما ألقته عليّ ريح ما وظنت أنها ستشوه نضارتي ورونقي، فإذا بي ازداد تألقاً بحبات الندى أنظمها عقدا حولي. ولن يمضي وقت قصير حتى تشرق شمس دافئة حنون فتُبعد ثقل الانتظار ليبدأ يوم جديد استمتع فيه بحلاوة الحياة أكثر.

ها قد جفت القطرات على جسدي، وبدأ يتألق بلونه الربيعي الأخضر ويشع نضارة. التفت يمنة ويسرة، أُصبّح على وريقات مثلي.

"صويحباتي، هيا نرقص ونمرح."

وتأتي ريح فتراقصنا وتضحك لحفيفنا ونحن نغنّي لها لتزداد طربا فتلاعبنا ونلاعبها.

آه، ما هذا؟ رائع، يداعبني عصفور صغير بجناحيه. ها، ها، ها. يدغدغني. صغيري ما زلت صغيرا. تضحكني أنت، عصفوري.

ارتفعت الشمس وبدأت الطيور تبحث عن طعامها، فهيا اذهب وابحث عما تأكله في يومك وتخبئه لغدك، فربما يكون ماطرا فلا تستطيع الخروج.

غَفَتْ بهدوء كهف فأحسّت بشيء ما يزحف على جسدها ويستمتع بانزلاقه عليه. آه، إنها دودة جاءت لتعتاش عليها، لتمد في عمرها وتُنقٍص من أيامها هي. لِتنتشي لذّة وتموت هي قهراً بعدها. أين أنت يا عصفوري؟ ليتني ما طردتك من غصني.

وكأنه سمعها. فورا التقط بمنقاره ما علا جسدها الأخضر النضر وتلقفه متلذذاً. أخبرها أنه فعل ذلك لأجلها هي وليس لأنه جائع، وأنها مدينة له باعتذار وأنه سيبقى بقربها ليحميها.

بقي بقربها. ظلّه حجب عنها أشعة الشمس، وكلما تحرك أزاح قطرات الندى من عليها، ولكن لا بأس. أفضل من فم يتلذذ بجسدها شيئا فشيئا.

وفجأة، اختفت الشمس تماما، واختفى العصفور هاربا. ما هذا؟ آه آه آه. قط تسلق متسللا إليهما. ألم فظيع يجتاح جسدها من جراء مخالبه التي انغرست فيها حتى فاض النسغ وبللها. إنه يهزها، يقلّبها، يؤذيها. ولم يكتف بهذا بل داس بقدمه عليها فأحست أنها تطير إلى الأسفل. لا إنها تهوي، تهوي، ولم يسمع نداءها لا غصن ولا شجر.

تلقفتها الأرض، استلقت محتضرة، تتطلع إلى العالم فوقها ولا يراها احد، فلا احد ينظر إلى ما تحت قدمه، الكل يدوس عليه.

غَفَتْ ببطء، مليئة بالمرارة. وعندما صحت وجدت لوناً اصفر يجتاح جسدها. إنه لا يلمع كالذهب. إنه لون باهت، مريض. تجاعيد تلوح على أطرافها. أرادت أن تتحرك فلم تستطع. آه كم هي بحاجة لقطرة ندى! تمر دودة بقربها ولا تلتفت إليها، فلم تعد تفيدها. سيعلوها اليباس، وتتكسر شيئاً فشيئاً. شيئاً فشيئا.

D 1 كانون الأول (ديسمبر) 2007     A هدى الدهان     C 0 تعليقات