منال الكندي - اليمن
السلام
وقف فوق أرضه يبكي غدر الزمان له وخيانة عِباد الدنيا. وقف متأملا اللوحة أمامه شبه مكتملة: خراب ودمار، تصريحات، إعلام متحايل. رأى صورته شبه إنسان عند عدوه ليس من حقه امتلاك الحياة مثله. صورته مشوهة في عيون الآخر.
اللوحة أمامه. يرى زيتونه وأشجاره التي باركها الله في قرآنه الكريم بقوله تعالى "والتين والزيتون (1) وطور سينين (2) وهذا البلد الأمين (3)" تقتلع من جذورها. الأمان حلم يبحث عنه في جنبات الوطن الممزق داخله.
صرخات تعلو لامرأة ثكلى. وامرأة تزغرد لشهيد توارى جسده تحت تراب وطنه يسقيه من دمائه وبروحه، ليبقى بعده وطن صامد أمام جرافات عدوه.
تأمل اللوحة وهو يبتسم لطفلة تحمل دميتها كحملها أملها بالمستقبل المجهول، تجري وعيناها تملأهما فرحة البراءة والأمان لتخبر صديقها الصغير عن لعبتها وحلمها، ولكن رصاصاتهم كانت دائما الأسبق لاختراق صدرها وصدر صديقها الصغير لتقتل حلمهما الذي مازال يغرد مرفرفا فوق سماء الوطن.
بنت الوطن عروس ترقب الشاطئ انتظارا لقارب الأمل ليزف إليها فارس أحلامها، تطرز ثوبها عرسها باللؤلؤ. كل لؤلؤة تحكي قصة لقائها، حبها، فرحها، حزنها صبرها وقصة انتظار لبطل اشتاقت أن تدفن وجهها بصدره المعطر بعطر ونسائم تراب الأرض المقدسة.
طال الانتظار. ولم ولن يصل الفارس. وتحبس الفرحة والحزن بين جنبات أضلاعها بدموع متجمدة صافية كحبات الثلج تنطق بها عينيها، متأملة يوما جديدا يولد مع نسمات فجر جديد يحمل أملا.
ابن الوطن يحمل بيديه سلاحين: تنطلق رصاصات قلمه لتعبر عن إيمانه بقضيته، عن حبه لمعشوقته شعرا ونثرا. وترسم ريشته بكل الألوان لوحات وطن محمول على أكفان شهدائه.
سلاحه الآخر رصاصات تنطلق حين ينكسر القلم، ويستمر الآخر في هدر كرامته، وتخرس الألسنةـ ويرتد الحلم قتيلا ولا يتحرك لها ساكن.
وقف متعجبا، مستغربا، رافضا، مستمعا لشجب وانتقادات وتصريحات وصمت عن الحق كشياطين خرس، وسط تمزق وطنه وكرامته المهدرة، والكل مازال يبحث وسط كل هذا الدمار والخراب ورفرفة الأرواح لبارئها عن سراب اسمه السلام. ويظل السؤال عنوان اللوحة متصدرا كل الأحداث والكلمات والتصريحات: مع من يعقد السلام؟
◄ منال الكندي
▼ موضوعاتي