عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 6: 60-71 » العدد 64: 2011/10 » كلمة العدد 64: عشر ملاحظات في عصر الثورات

عدلي الهواري

كلمة العدد 64: عشر ملاحظات في عصر الثورات


عدلي الهواريحدثت في كل من تونس ومصر ثورة بالمعنى اللغوي للكلمة، ونجحتا خلال أسابيع في إزاحة الرئيس، وكانتا إلى حد كبير سلميتين. أما بالمعنى الفكري والسياسي للثورة، فيجب أن ينتظر المرء عشرين عاما على الأقل ليصدر حكما على ما جرى في البلدين، فإذا شمل التغيير الطبقة الحاكمة وايدلوجية الحكم وأصبح الشعب سيدا والفرد حرا كريما، فعندئذ سيكون بالإمكان وصف ما جرى في تونس ومصر بأنه ثورة.

هناك حماس شديد للثورات في العالم العربي، وهذا أمر طبيعي، فالشعوب العربية مكبوتة ومقهورة منذ زمن طويل، والحكام استمرأوا الأمر. وصاحب الحماس الكثيرُ من الكلام الذي أشاد ويشيد بالثورات العربية، ولكن أكثره لا يقدم ولا يؤخر، فهو لا يصمد أمام التمعن والتدقيق.

فيما يلي الملاحظات التي تكونت لدي بعد ما شاهدت وسمعت وقرأت خلال الشهور الماضية.

أولا: الإشادة بالعفوية

جميل طبعا أن تثور الجماهير بعفوية، ولكن حدثا جللا كالثورة يحتاج إلى قيادة تقوده إلى النجاح، وإلا سيكون عرضة للفشل. ولذا الأولى بالمحللين، سياسيين ومثقفين وإعلاميين، التأكيد على أهمية التنظيم لا العفوية، فالقوى المعادية للثورات لا تعمل بعفوية، بل بشكل منظم ومنسق.

ثانيا: اعتبار كون المرء شابا مؤهلا سياسيا

كثر المديح للشباب وقيادتهم الثورة، وبولغ في المديح مبالغة غير مبررة، فالشاب قد يكون واعيا سياسيا وقد لا يكون، ومن يرغب في قيادة الجماهير يجب أن يمتلك برنامجا، ويجب أن يمتلك الأطر، كالأحزاب والروابط حتى ولو غير رسمية، لكي يتمكن من أن يقودها ويطبق البرنامج الذي يخدمها. أما أن يتم التعويل على قدرة خارقة يمتلكها الشباب بسبب فيبسوك وتوتر فأمر يفتقر إلى الواقعية والعمق.

ثالثا: قراءة خاطئة لما جرى في تونس ومصر

من نتائج النجاح الذي تحقق في تونس ومصر افتراض أن الثورة في أي بلد عربي ستنجح باتباع نفس الأساليب، فهي تبدأ بمظاهرات في يوم يتم الإعلان عنه في فيسبوك وتويتر، ثم خلال أسابيع يزاح الحاكم بعد أن يلقي خطابات في الوقت الضائع.

غاب عن الأذهان سيناريو ميدان تياننمن حيث احتشد شباب الصين في بكين، ولكن تم في النهاية فض الاحتجاج بدبابات الجيش الصيني في حزيران 1989.

معروف الآن أن البحرين لم ينجح فيها التحرك، وتم قمعه. وفي ليبيا كان العنف سيد الموقف مبكرا، وتمت إزاحة الحاكم بمعونة خارجية. وحتى وقت صدور هذا العدد، لم يحسم الوضع في اليمن رغم محاولة اغتيال الرئيس. وفي سوريا هيمن العنف على الموقف، ويراوح الوضع مكانه.

رابعا: كثرة المبشرين بالثورة أو توفير العامل المساعد على تفجيرها

تنوع الذين يعزى اليهم الفضل في التبشير بالثورة أو المساعدة على تفجيرها، فسمي أشخاص وروايات وقصائد إضافة إلى ويكليكيس ومـن نشر وثائقها. بناء على ذلك تصدق حكمة القول المعروف: للنصر آباء كثر، أما الفشل فيتيم.

خامسا: آراء تتغير بسهولة تغيير الملابس

الكثير من الآراء يعبر عنها بحماس، ثم بعد فترة تبلغ أياما، أو أسابيع، تستبدل بآراء مناقضة، فالحماس لدور قناة الجزيرة في تغطية أحداث الثورة في مصر يتغير بعد تغطية الأحداث في البحرين. والترحيب باندلاع الثورة في ليبيا يتغير ويبدأ الحديث عن ثوار "الناتو". ولذا كل من يحلل اليوم في اتجاه وبعد فترة قصيرة يحلل في اتجاه معاكس محلل مشكوك في قدراته التحليلية، ففي الأصل لم يتمعن في ما كتب أو قال.

سادسا: الاختلاف في الرأي وإدارته

لا يزال الموقف تجاه الاختلاف في الرأي واحترام الاختلاف ضعيفا. على سبيل المثال، أستاذ جامعي أحترمه كتب مقالة عن الوضع في لبيبا تحت عنوان "هذا الانتصار صنعه الشعب الليبي وليس الناتو" قال فيها "كل من يشكك في هذا الانتصار فهو إما متآمر أو جاهل أو رجعي متخلف." من الظلم الشديد اعتبار مخالفي رأي كاتب المقالة متآمرين وجهلة ورجعيين متخلفين، وطبعا هذا الحكم المطلق لا يمت للموضوعية بصلة.

سابعا: المثقفون من احتقار الجماهير إلى الإشادة بها

المثقفون العرب يكثرون من الحديث عن دور المثقف، ولكن هناك الكثير من الأمثلة على أن المثقف العربي وغير العربي لم يصنع من طينة أخرى. كلنا سمعنا بظاهرة اليساريين السابقين، الذين ينتقلون من اليسار بعد حين إلى اليمين، فكرا أو تطبيقا، ويضعون أنفسهم في خدمة أصحاب السلطة والمال، طوعا في كثير من الأحيان.

وهناك مثقفون كانوا يهجون الجماهير قبل الثورات، وبعضهم قصر الهجاء على جانب غياب مظاهر التعبير عن التأييد للشعب الفلسطيني، خاصة في أوقات تعرضه لعدوان. لكنهم اليوم يلاحظون مكانة القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية، فانتقلوا إلى المديح.

ثامنا: الإعلام، خاصة التلفزيون، كبديل عن العمل الشخصي أو الحزبي مع الجماهير

ثمة اعتماد كبير على وسائل الإعلام لن يؤتي ثماره لأن الديموقراطية (إذا كانت الغاية والوسيلة) تعتمد في نهاية المطاف على عدد الأصوات، فمن لديه الصلات مع الجماهير من خلال أحزاب أو جمعيات سيكون اقدر على حشد المؤيدين لتحقيق التغيير ممن يعتمد على التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى للتأثير على الرأي العام. ويعرف المتابعون للشؤون الإعلامية في الدول الديموقراطية أن نتائج الانتخابات أتت في مرات كثيرة مخالفة لما يردده الإعلام أو يتوقعه.

تاسعا: لا حاجة إلى الديموقراطية

لاكتمال الصورة، هناك من يرحب بالثورات، ولكن يرى أن السعي إلى إقامة نظم ديموقراطية أمر غير حكيم، لأسباب من قبيل أن الديموقراطية غير قابلة للتحقيق في الواقع، وأنها شكلية وحسب في الدول التي تمارس فيها، أو أن الشعوب غير جاهزة بعد، وما إلى ذلك. مما لا شك فيه أن نظام الحكم الديموقراطي ليس خاليا من العيوب، ولكنه رغم عيوبه، يقدم الفرصة كل بضع سنوات لتغيير الأوضاع، ويتذكر من يحكم عندئذ أن الشعب سيده وليس العكس.

عاشرا: الفرد والتغيير

من الممكن للمرء أن يتحمس كثيرا للثورة في تونس أو مصر أو حيث يريد، ولكن هذا لا يكفي لتحقيق التغيير المنشود. لو بدلنا من كانوا يدينون بالولاء للحاكم الذي تغير بكثيرين من مكثري الكلام عن الثورات لما لمسنا تغييرا كبيرا في التعامل مع الناس.

العالم العربي بحاجة إلى تغيير جذري في العقليات. إلى الآن نشاهد تغييرا بالأشخاص، أو تغييرا في الكلام الذي ينطق به نفس الأشخاص.

المتحمس للثورة حقا عليه واجب شخصي وهو أن يتحلى إلى حد معقول بالقيم التي تصبو إليها الشعوب المستعبدة والمقموعة. أقول يتحلى بها، فتلمسها في تصرفاته، لا أن يتشدق بها في المقالات والبرامج التلفزيونية.

سوف يسعدني (إذا كتب لي العمر) أن أشاهد بعد عشرين عاما تغييرا جذريا يمكن المرء من القول إن ما حدث في تونس ومصر وغيرهما من الدول العربية ثورة بالمعنى الفكري والسياسي، نتيجة التمكن من نقل الشعب إلى واقع جديد يتمتع فيه الإنسان بالحرية والكرامة، وتسوده العدالة الاجتماعية.

أما إذا تسرعت وأصدرت حكما الآن فليس هناك ما يدعو إلى الإفراط في التفاؤل والجزم بأن التغيير الجذري قد بدأ. هناك الآن مؤشرات مشجعة وأخرى مقلقة، والأمل أن ترجح كفة الإيجابي رغم المصاعب.

مع أطيب التحيات

عدلي الهواري

D 26 أيلول (سبتمبر) 2011     A عدلي الهواري     C 4 تعليقات

4 مشاركة منتدى

  • من منطلق تجربة العراق و تونس ومصر و ليبيا بعد الثورات، رأيي هو: ان كنت قد خسرت عزيزا و تغيرت أحوال الملايين فهو فداء للوطن ولكن إن كنت خسرته وخسرت بعده ملايين ولاشيء يتغير فنحن فداء لمن؟ أما كيف سيكون وضع الشعوب العربية بعد عشرين عاما؟الوضع سيكون اسوأ ما هو عليه الان، وفي احسن الاحوال سيبقى كما هو.


  • بداية دعني أختلف معك أستاذي عدلي هواري حول ما حدث في مصر وتونس، فأنا أرى أن ما حدث ليس ثورة، لأن الثورة حسب قناعاتي الخاصة تعني تغييراً في كل شيء، وخاصة فيما يرتبط بالنظام السابق، وصناعته من أشخاص وهيئات وقوانين. وما حدث في مصر تغيير رائع ولكنه غير كاف، وعدم اكتماله في وقته (مع رأس النظام) يهدد بنمو جذور النظام السابق وعودتها أقوى مما كانت بعد أن تتماهى مع مطالب الناس وتتشكل حسب رغباتهم.
    ما حدث في مصر وتونس رائع ولكن التوقف عند هذا الحد خطر جداً.

    أولاً: العفوية مقتل كل عمل، وفي حالة الثورات والعمل الشعبي تكون كارثية!

    ثانياً: حماس الشباب يجب أن يوظف لخدمة الثورة والتغيير، لكن القيادة تتطلب خبرة وحنكة وحكمة.

    ثالثاً: في الثورات، لكل بلد ظروفها. ولعل ما حدث في اليمن وليبيا هو بفعل فاعل وتخطيط محكم لتحطيم همم الشباب والشعوب، حتى لا يستمرأوا اللعبة، ويطيحوا بالأنظمة نظاماً تلو الآخر، لأن هناك أنظمة مطلوب أن تبقى رغم فسادها وعفونتها. أي أن ما حدث في اليمن وليبيا ليس حباً في القيادة وإنما هو رسالة للشباب أن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، وأن للآخرين حساباتهم.

    رابعاً: الذين يدعون أنهم بشروا بالثورات في كتاباتهم واهمون، ويركبون الموجة، ويصنعون من جملة عفوية قالتها إحدى شخصيات الرواية دون قصد أنها نبوءة للثورة. وهذا لا ينفي وجود كتاب قلائل كانت لهم رؤية واستبصار!

    خامساً: تغير الآراء بتغير الظروف، واقع موجود، ولعل غياب المعلومة الصحيحة وضبابية الرؤية، واختلاط الحابل بالنابل هو وراء ذلك، ناهيك عن وجود بعض الهوائيين الذين يغيرون آرائهم كما يبدلون ملابسهم لحسابات شخصية.

    سادساً: أخطر ما ابتلينا به في عالمنا العربي هو تخوين المخالف، واتهامه بأن له أجندة خارجية، وعميل، بل وكافر أحياناً. وهذا يدل على عقلية منغلقة لا ترى أبعد من أنفها. من أن الثورات حتى تنجح يفترض أن تستوعب الجميع على قاعدة حب الوطن وخدمته.

    سابعاً: المثقفون في معظمهم يعيشون في عزلة شعورية عن الجماهير، ويأنفون عن التعامل معها. ولم أؤمن بأن للمثقفين أي دور حقيقي في التغيير.

    ثامناً: الشعبية الإعلامية، هلامية وسراب، والعمل الإعلامي وحده لا جذور له. ولا غنى عن العمل الجماهيري على الأرض لاحداث التغيير المنشود.

    تاسعاً: تطبيق الديمقراطية لا بد منه مهما كانت المببرات، لأن الأخطاء الناتجة عن تطبيق الديمقراطية مهما كانت أفضل من تغييبها بحجة عدم نضوج الظروف لممارستها، وهي حجة كل ديكتاتور!

    عاشراً: التغيير في العقليات هو مؤشر على نجاح الثورة، وما نلمسه حتى الآن لا يبشر كثيراً.

    الأمل موجود دائماً، ولكن الخوف والحذر أيضاً موجود، وكلنا خشية أن يُلتف على الثورة وتجهض أحلام الشعوب، لأن الشعوب عندما أسقطت الرأس تأمل أنها قضت على كل أزلامه ورجاله وأعوانه، ولكن أليس ما يحدث هو إعادة إنتاج النظام السابق بطريقة جديدة ترضي غرور الشعوب وتحقق في الوقت نفسه مصالح الرؤوس الجديدة التي هي نتاج النظام السابق وصنعت على عينه، بل كانت مشاركة له في نظامه وجرائمه!
    لست متشائماً، ولكني حذر جداً، ولا أؤمن لأي من الزمر الحاكمة في بلاد أسقطت حكامها، لأني لا أجد فرقاً بين الفريقين! ويدعم ما ذهبت إليه أن من يتزعم الثورة في ليبيا هم بعض رجال النظام السابق، وكذلك في اليمن!

    أرجو أن أكون على خطأ!!!


  • ألأستاذ عدلي الهواري- رئيس التحرير

    تنكنولوجيا الإتصالات، أدخلتْنا في متاهاتٍ ليس لها قرار، قلبتِ المفاهيم وحوَّلتِ الأبيضَ إلى أسود، والأسود حوَّلته إلى أبيض. التبستِ الأمورُ علينا وبتنا لا نميِّزُ الصحَّ من الخطأ. قلبتِ الزنديق َإلى مقاوم، والزانية إلى قديسة. أجهضتْ ثورات ونصرتْ عصابات..! مُسَلّمَةٌ وحيدة لا يَرْقى الشكُّ إليها أنَّ المقاومة في الجنوب اللبناني هَزَمَتْ إسرائيل.

    ألأمرُ الذي لم يفهمْهُ أو يقتنعْ به بعضُ الحكام العرب، بل معظمُهُم.. ممن كانوا وما زالوا يحْسَبُون أنفسَهم أولياءَ اللهِ على الأرض..! أنَّ الديموقراطية فعلُ ممارسةٍ طويلة، وتعاقب على السلطة.

    كان سفيرُ إحدى الدول إلى "المملكة المتحدة"، يقدِّمُ أوراقَ اعتمادِه.. فأبدى إعجابَه للملكةِ "ببريطانيا" كيف تَمَكّنَتْ أن تتحولَ كلها إلى مراعٍ ومروجٍ خضراء..! وتجيبُه صاحبةُ الجلالة: ببساطة، نَقْطَعُ "الغازون" مرةً في الأسبوع، ويسألها السفير: لكن منذ متى وأنتم تقطعون "الغازون"..؟ وترُدُّ الملكة بالقول: هذا هو السؤال..!

    دأبَ المنتفعون المنافقونَ حولَ هؤلاء الحكام، يَنْفُخُونَهم ويجتهدون في نفخِهم، حتى انفجروا ووسَّخوا الدُّنيا لكثرة ما نشروا من "سرجين كروشهم". أمَّا الشعوب العاطفيَّة المتحمِّسَة فإنَّها تفتقرُ إلى قياداتِ مخلصة رشيدة، لتجدَ لنفسها أوطاناً كريمة تحت عين الشمس.

    أللهُ المعين.. هل ينبغي أن ننتظرَ عشرين أو خمسين عاماً، أو ربما قرنٍ كامل من الزمان..؟ ليتبيَّنَ لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فنحسن اختيار قادتنا..؟ أم نرمي على الله مشاكلنا ليساعدنا..؟ وكفى الله المؤمنين جهادا.. لست واثقاً تماماً من صحة وسلامة ما أعرف أو أقول..؟!


  • أستاذ عدلي الفاضل:
    أطال الله عمركم حتى تروا ما يسركم..
    وهي ملاحظات تحمل تكهنات وإرهاصات.. نبوح ببعضها ونعض على البعض الآخر من الألم..
    لن ننكر أنها ثورات.. لكننا لن نجزم بمآلها ..ولن نخفي ترقبا وتوجسا من مقاصدها..
    وبعد ملاحظاتكم العشر يبقى لي تساؤل لا يفارقني: لم نحن تحديدا ابتساماتنا منقوصة؟ وافراحنا مجزوءة؟ واطمئنانا مضطرب؟! وحتى متى؟! وكم يجب أن نضحي زمنا وعمرا وأنفسا لترتوي الأرض فتزهر بنا؟؟؟
    ودمتم فكرا نيرا..


في العدد نفسه

عن مبدعة الغلاف

مقابلة: الفنان علي الرفاعي

أيادي الفن المتسخة

شكرا جورج قندلفت

إعادة النشر: تذكير وشكر