مصر: الفن بعد الثورة
مقابلة: الفنان علي الرفاعي
(*) علي الرفاعي: فنان مصري يعيش ويعمل في لندن منذ حوالي ثلاثين عاما. يشارك من حين لآخر في أعمال فنية عربية. شارك في العامين الأخيرين في مسلسلين هما "تلك الليلة" الذي عرض في شهر رمضان الماضي على قناة النيل دراما، وقبله مسلسل "السائرون نياما". عمل سنوات في ميدان الإعلام كمقدم ومنتج للبرامج المنوعة والسياسية. شارك أيضا في عدد من الأفلام العالمية . عدلي الهواري طرح عليه الأسئلة التالية:
ع هـ: سافرت إلى القاهرة للمشاركة في مسلسل "تلك الليلة" بعد شهور قليلة من الثورة، كيف وجدت الأوضاع هناك؟
ع ر: الأوضاع بشكل عام في مصر تدعو إلى القلق الشديد بالرغم من التفاؤل الذي أسفر عنه نجاح الثورة ليس فقط في تغيير النظام ووضع كثير من أعمدته في السجن وإنما أيضا محاكمة الرئيس السابق للبلاد. ولكن الوضع أيضا في مصر يدعو إلى الحيرة ، فبالرغم من الإحساس بعدم الأمان والغياب الأمني الكامل، والبلبلة الفكرية، وانتشار الأفكار الخاطئة، والمزايدة والمزايدين، والاستغلال، والنجاح (على الأقل الشكلي) للمزيفين ،وظهور وانتشار جرائم لم يعهدها المجتمع المصري من قبل مثل السرقة بالإكراه لممتلكات كبيرة واضحة مثل سيارة، إلا إنه من المثير للانتباه أن ثورة أطاحت بنظام كامل وتقوم حاليا بمحاكمة رئيسها، لم تخلف من الأضرار سوى قدر أقل من الأضرار التي خلفتها أحداث الشغب التي شهدتها إنجلترا خلال أيام معدودات.
ع هـ: تحدثت عن الأفكار الخاطئة ، ماذا تقصد بذلك؟
ع ر : الأفكار الخاطئة المنتشرة بين صفوف الشعب عن مفاهيم بسيطة مثل الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وما تعنيه هذه المفاهيم بالنسبة إليهم، وما إلى ذلك. ولعل ما يثير القلق بدرجة أكبر أن هذا منتشر بين بعض العاملين بالإعلام مثل مذيعين ومذيعات وهم الذين يُفترض أن يكونوا على درجة أعلى من العلم والدراية.
هناك كثيرون ممن يعتقدون أن الحرية أن يفعل المرء ما يشاء بلا أي ضابط أو عواقب أو حساب. وهناك خلط، ولبس، وفهم خاطئ لهذه المفاهيم. كثيرون يعتقدون أن الأموال التي يقال إنها سرقت أو أخذت بدون حق سيتم استعادتها وتقسم على المواطنين بالتساوي، ولذا يقضى البعض يومه في تقدير نصيبه، ويحلم بكيف سيستغل ثروته الجديدة، وكيف سيكون منوال حياته في ظل ثرائه الجديد.
وهناك من يعتقد أن الثورة والمساواة أمام القانون تعنى أن يتساوى المتعلم بالجاهل والمتفوق بالراسب، بل هناك في بعض الأحيان إحساس بالرغبة في تقليل من شأن الناجح والمتفوق لحساب المتواكل الكسول الذي أصبح الآن يعتقد أن انتمائه إلى الثورة في حد ذاته يجعله متميزا، ويضعه في مرتبة أرفع وأفضل من أي مجتهد دؤوب. هناك تركيز مبالغ فيه على الحقوق، وليس هناك ما يكفي من التفكير في الواجبات.
يعتقد الكثير أن نجاح الدول الغربية الكبرى يعود فقط إلى عدم وجود أنظمة فاسدة، ويهمل دور هذه الشعوب في بناء حضاراتها ومستوى معيشتها. ليس هناك اهتمام كبير في وجوب التفكير في المسئولية الشخصية تجاه الوطن والمجتمع، وإنما ينصب أغلب التفكير في أغلب الحالات على الأخذ والحقوق.
ع هـ : ماذا عما يخص الوضع الفني؟ هل عادت الحياة إلى طبيعتها في مجالات السينما والدراما تلفزيونية والمسرح وخلافه؟
ع ر: للأسف لم تعد الأوضاع بعد إلى طبيعتها بالنسبة للحقل الفني بشكل عام وفنون الأداء بشكل خاص. هناك شبه توقف تمام.
ع هـ : ما الأسباب وراء هذا في اعتقادك؟
ع ر: هناك عدة أسباب. أولا لا تنسى أن الأعمال الدرامية ليست مجرد فن فقط، وإنما هى صناعة تجارة واستثمار، فلا بد أن يكون هناك وضوح كاف بالنسبة للمستثمر (سواء أكان شخصا أم شركة أو جهة حكومية) أنه سيحقق درجة مقبولة من الأرباح والنجاح قبل أن يقبل على الاستثمار. وحيث أن هذا الوضوح هو بعينه الغائب من المعادلة فهناك من ناحية تردد تجاه الاستثمار، ومن ناحية أخرى ليس هناك وضوح بالنسبة لما سيكون عليه إقبال الجماهير.
ع هـ: هناك رأي يرى أن الثورة ستؤثر إيجابا على الفن. آخرون قد يجدون فرصة للاستغلال الثورة وتقديم أعمال فنية رديئة المستوى. وثمة رأي ثالث يعتبر أن الفن في كل الأحوال له رسالته ولا يتأثر بالظرف الآني. ما هو رأيك في ما يتعلق بأثر الثورة في مصر على الفن؟
ع ر: في أغلب الظن أن الساحة ستشمل كل هذا وأكثر، فلا تنس أن للحرية والديمقراطية ثمنا. جزء من الثمن أن ترى أعمالا دون المستوى تطفو على السطح. وحيث أننا سواسية فليس هناك رقيب أو " أخ أكبر" يقوم بدور الرقيب والمقيّم. فالقرار سيكون إذن للمتفرج. وحيث أن هذا الوضع سيكون جديدا بالنسبة للمتفرج، ففي تقديري أننا مقبلون على مرحلة ضبابية إلى أن تستقر الأمور، لكني بشكل عام أشعر بالتفاؤل.
ع هـ: أنت مقيم في لندن. كيف حصلت على دور الوزير في مسلسل "تلك الليلة"؟
ع ر: شاهدني المخرج الأستاذ عادل الأعصر في مسلسل "السائرون نياما" الذي أخرجه الأستاذ محمد فاضل، و هو بالمناسبة صاحب الفضل الأكبر في عودتي إلى العالم العربي، وأثار أدائي إعجابه، فأخذ يسأل عن وسيلة الاتصال بي حتى توصل إليها من شركة الإنتاج. اتصل بي وعرض علي المشاركة في العمل، ولكن كان هناك مفارقة في هذا أيضا.
استمع للمخرج عادل الأعصر وهو يتحدث في برنامج "المسلسلاتي" عن اختياره على الرفاعي لدور الوزير
ع هـ: وما هي هذه المفارقة؟
ع ر: عرض على الأستاذ عادل الأعصر دورا آخر غير دور الوزير، اعتمادا على دوري في مسلسل "السائرون نياما" فقبلته. ولكن مسلسل "السائرون نياما" كان مسلسلا تاريخيا فكنا نرتدي ملابس تناسب فترة المماليك وكنت أرتدي عمة ولي لحية وشارب، فطلب مني أن أرسل إليه صورة عصرية، وعندما شاهدها قرر أنني لا أصلح للدور الذي عرضه علي، فاعتذر. وقبلت هذا واعتبرت أن الأمر منتهيا، ولكن مساعده اتصل بي مرة أخرى بعد حوالي عشرة أيام وأخبرني أن الأستاذ عادل يعرض علي دورا آخر. أعجبني الدور فقبلته.
ع هـ: مسلسل "السائرون نياما" صور في سوريا بمشاركة فنانين سوريين، ولكن القصة والإخراج مصريين. ما هو تقييمك للعمل الفني المشترك الذي لمسناه أيضا في مسلسلات أخرى مثل "ذاكرة الجسد".
ع ر: "السائرون نياما" كان عملا خاصا جدا. تألق فيه إخراج الأستاذ محمد فاضل وقامت فيه الفنانة فردوس عبد الحميد بدور يحتاج —بالإضافة إلى القدرة فنية عالية— إلى شجاعة كبيرة خصوصا من نجمة كبيرة مثل فردوس عبد الحميد، وهو أن تظهر طوال المسلسل "صلعاء".
أما عن تصويره في سوريا ومشاركة نجوم سوريين في بطولته، فكانت أيضا تجربة ممتعة إلى أقصى الحدود. سوريا بلد جماله خلاب، ويتمتع أهله بكرم وحسن ضيافة على أعلى المستويات. أما النجوم فكانوا على درجة مبهرة من البراعة. لك أن تتخيل أن هناك مشاهد كاملة تجري بين فنانين سوريين يقومون بأدوار باللهجة المصرية. وقد قاموا بها بإتقان مثير للإعجاب. تألق في المسلسل من الفنانين السوريين بجانب المصريين النجوم سلوم حداد وجهاد سعد وقمر خلف وريم علي وغيرهم.
الجزء الثاني من المقابلة ينشر في العدد القادم، 65.
صور للفنان علي الرفاعي
اضغط على الصورة لمشاهدته بحجم أكبر
من مسلسل "السائرون نياما"
من مسلسل "تلك الليلة"
شاهد الإعلان عن مسلسل "تلك الليلة" (أقل من دقيقتين)
المخرج: عادل الأعصر
القصة: فتحي مصطفى
الممثلون: حسين فهمي، وعزت أبو عوف، وعلي الرفاعي، وآخرون.
الممثلاث: داليا مصطفى، وخيرية أحمد، وأخريات.