هدى التومي - تونس
النصب النحتية في أعمال سناء الجمالي
سناء الجمّالي فناّنة تشكيلية وخزاّفة تونسيّة. تخرجت من جامعة السوربون بباريس عام 2000. انتابتني دهشة أمام أعمالها التّي أطلقت فيها طاقاتها الإبداعيّة، فعبّرت عنها بأساليب متنوّعة مستغلّة تعدّد وسائل التعبير بطريقة فيها من الحساسيّة المرهفة والرغبة في الفعل الشيء الكثير.
الجمّالي مهووسة بحقيقة اللحظة حيث تروم تثبيت بصمات أحاسيسها على الحامل مهما اختلف نوعه، وإن تبدو هذه البصمات ذاتية فهي تجرّ في مكامنها إرثا بصريّا ورمزيّا.
إبداعها تصبغه تلك البساطة؛ تسكنه حساسية وشهيّة في التّعامل مع المادّة ومحاورتها فجاءت أعمالها متنوّعة أحجامها وتقنيّاتها، وهذا ما أفرز ثراء بصريا يخرج من خلاله القارئ والباحث بعناصر علميّة وجماليّة تعكس المستوى المعرفي والجمالي والفنّي، وتبرهن عن رغبة دفينة من الفنانة في إظهار إمكانيات المادّة.
أعمال حفرت في الأعماق، سبحت لتأثيث فضاءات، تعانقت فيها البصمات والتجارب والمنطلقات لتكون وحدة بصرية متماسكة، عالم يسحبك إليه كلما حاولت الابتعاد. لمسات تتجرّم أفكارا، ولقاءات بصريّة تنطبع تحت صدى الحواس، وعلى إيقاعها تتشكّل الهيئات والأشكال والعلامات، رغبة في الفعل والبوح والكشف.
وجوه تحمل بين طياتها وبين ثنايا ملامحها مجازات وتفاصيل، أشكال في جسد المادّة، صور اختزلها وجرّدها الذّهن، مادّة طينية أضحت تشكّل مشهدية تشكيليّة تركت للمشاهد حرية التقاط المعاني والدلالات المبثوثة فيها. أعمال صلبة الوقع في عيني المتلقي، لكن في نفس الوقت أشكال بسيطة، وفي كل مرّة نفس جديد.
تساؤلات عدّة جالت بخاطري حين قدّمت الفنانة تعاملا خاصا مع المادّة في ظل رمزية تشكيلية فاستدعتنا للبحث. تنصيبات خزفيّات، منحوتات أوهي تماثيل تبدو ثابتة. قد تتحرّك في أي لحظة أجساد مكسوّة بغلاف طينيّ، منغمسة بكاملها، اتخذت وضعيات مختلفة فيها تنظيم وتركيب لنظم العلاقات بينها لتمثّل استعارات شكليّة وفكرية تحيلنا إلى منجز تشكيليّ إبداعي.
مخلوقات تتبارى مع دواخلها وتتحاور وفق مقتضيات لغة الجسد واستجماع قوّة الحواس وتماهيها بحثا عن نطق وتعبير خاصّ وبليغ تبوح به، لعلّي بها دعوة للعودة من طين إلى طين. إيهام ذكيّ وجدّي فيه تأكيد على عدم تفريط سناء الجمّالي بأي تفصيل تقني مرتبط بمعالجة المادّة وعدم تنازل في نفس الوقت عن رؤيتها الخاصة في ترويضها وابتكار أشكال جديدة لوجودها.
لذلك، فهي تفاجئنا عندما تربك علاقتنا مع المألوف وتكشف ما يكمن في المادّة من إمكانيّات غير محدودة لخلق جديد، حتى تتحقق إمتاعيّة التعبير باللّعب على مكامن وأوتار النّفس من خلال تلاوين العزف على بيانو الجسد ومنحه طاقات تعبيرية تفضي إلى موضوعات تنشئها تلك العلاقات في عمل فنّي أنشأ وجوده وثمّن صلة الوصل بين الفكرة والجسد بخلق وحفر تناغمات ما بين الإنسان وأصل مادّته في علاقة تواصل واحتواء.
مخلوقات غريبة معلّقة في الفضاء لعلّي بها وجوه مشوّهة فاغرة أفواهها أو هي نوع من أنواع الطيور المهاجرة اختارت الفنانة أن تشكّلها على مجموعة خزفياتها الطينية على خلفيّة سماء زرقاء. وكأنّي بها قد اختارت أن تدخل البعد السّماوي إلى قلب الطين المصهور بالنّار والماء في عملية خلط ذكية للعناصر الأساسية الأربعة.
لوحة سريالية ذات بعد خزفي تكوّنت من أجساد تهيم رغبة وودّا وأملا بالتحليق وتموّجا نقيّا بالطيران واندلاع أرواحها في فضاءات من الحركة رغم تناقض ثقل المادّة مع الفضاء الذي توجد فيه، في محاولة منها لدفع عربة الرّتابة والركض بالحلم وراء فعل مغاير لما هو سائد ومألوف وتبنيها لأفكار ورؤى مغايرة حتى تؤثّر في سحب اهتمام المتلقّي إلى مكانة العمل الفنّي.
تجربة مليئة بالأفكار والحكايات. قد تكون ذكريات أو هي لحظات متعدّدة للرجوع إلى الأصل، إلى كوننا خلقنا من طين.
لحظات تشكيلية متعددة لا تروم التوقف عند معنى واحد فتحاول الانزياح إلى ثنايا فرعيّة علّها تجد دلالتها: كانت من الواقع، تضج بالحياة، أو حياة مختبئة في كلّ حركة، وفي كلّ سكون، وفي كلّ نقطة.
تطرح على نفسك بعض الأسئلة فتجيبك تلك التموجات، جمود ثابت وهذا كاف، ولكن مع ذلك نمضي قدما. حاضر يدعو إلى عيش اللحظة ومستقبل رحلة مسيرها ومصيرها تموّجات وأفكار وأعمال تطلب التعامل معها بوقت وصبر أكثر.
|
سناء الجمّالي فناّنة تشكيلية وخزاّفة تونسيّة |
◄ هدى التومي
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
النصب النحتية في أعمال سناء الجمالي, زهرة يبرم / الجزائر | 29 نيسان (أبريل) 2015 - 17:01 1
لعل الفن يحرك نفوسا لا يزال فيها نفس أو رمق
لكن أخشابا ينخرها السوس، لا الفن يوقظها ولا السوط
دام إبداعكما، سناء الجمالي وهدى التومي/ تونس الخضراء