فداء زياد أبو مريم - فلسطين
فصول الدهشة ومحاولات النجاة
غزة: ملف العدد 33
بالأمس فقط كان لدي مخطط ليوم مختلف أبدأ به مع فريق بحثي بجمع شهادات مسجلة ومكتوبة من النساء حول الكثير من الموضوعات أهمها تلك النساء اللاتي حملن على عاتقهن تقديم الرعاية لأسرهن بعد فقدانهن للشريك، واضطررن لتأمين حياة الأسرة شبه المستقرة والآمنة. في المخيم القريب مني وجدت منهن كثيرات يحملن على عاتقهن هم النزوح وحدهن ويقاتلن معي بحقوق وصولهن للمساعدات بشكل آمن.
بالأمس فقط بدأت أولى خطواتي بجمع ذكريات من دائرة معارفي الصغيرة عن "غزة المكان". لدي مشروعي الخاص الذي أحاول به أن تصير الكتابة جزءا من التعافي السريع أو الحماية من الانجرار نحو الجنون، أو على الأقل عدم الدخول في صدمة اللا فعل.
بالأمس فقط كان لدي فكرة نقلتها لأصدقائي الصغار في المخيم القريب: إننا نريد محاولة تسجيل أصواتنا كي تصير شهادة محفوظة عن هذا الألم المتكرر. أجمع منهم أصواتهم التي تقول كيف تبدلت كل الأشياء من حولهم فجأة؟ أمشي معهم بالشارع؛ يساعدونني في نقل المياه أحياناً؛ ويحكون لي تفاصيلهم. أحب شكل ابتساماتهم وهم يعلنون فوزهم بهدف بلعبة الكرة، وحتى حين يطلبون مني تشجيعاً لخبرتهم بصناعة الأطباق الورقية الطائرة، فأتظاهر بانبهاري بقدراتهم المختلفة، وأشاركهم التنافس. أحدهم طلب مني أن يصير بديل المدرسة "مدرسة الأطباق الطائرة".
بالأمس فقط وعدت نفسي أن أسجل أحلامهم الصوتية بذاكرتي، وبعدها أوثقها على شكل دراسة "مهارات في زمن المهاترات والمقامرات". ضحك صديقي حين سمع بالعنوان.
بالأمس فقط بدأت أشعر أنني استعدت جزءا من أمل كان لدي أهداني إياه فريق العمل اللطيف.
لا أعرف كيف حدث اليوم ما حدث، كأن اضطر أن أجيب عن سؤال مخيم كامل فيه مئة وخمسون أسرة نازحة: "وين رح نروح؟!"
لا أعرف كيف حدث أن أبدأ بتجهيز حقيبتي وكأن لدي خطة تمشي بي. كيف لي أن أختصر كل هذا بحقيبة؟
بالأمس فقط كنت أسأل وأعرف الإجابة كمعلم يصنع اختباراً عن الأمل. لا أعرف كيف حدث اليوم ما يجعلني أقف بباب البيت ومن خلفي يتجهز أهلي لطارئ قريب لأن الخطر يبعد مسافة أو مسافتين وقد لا تكون النجاة.
لا أحد يعرف الإجابة حتى من صنع السؤال. السؤال قاس والإجابة صامتة قاتلة.
وأقول: "اللعنة على الأمل الذي كان معي بالأمس ضئيلاً كان أم كبيراً".
رفح، مايو [أيار] 2024
غزة: #فصول_الدهشة_ومحاولات_النجاة.
◄ فداء أبو مريم
▼ موضوعاتي