إصدارات جديدة: د. عبد الله مصطفى الدنان
عادل عبد الكريم ياسين: حياته ونضالاته
أدناه مقتطف من كتاب عن تاريخ تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، ودور اثنين من المؤسسين، وهما عادل ياسين، وعبد الله الدنّان. عنوان الكتاب"المناضل الكبير الدكتور عادل عبد الكريم ياسين: حياته ونضالاته". المؤلف د. عبد مصطفى الدنان. الناشر: دار البيروني، عمان-الأردن، 2021.
.
الفصل العاشر
.
الاتصالات مع الشخصيات والمنظمات الفلسطينية
.
بعد الاستمرار في الثورة على النحو الذي ذكرناه سابقا، والاتصالات التي قامت بھا الحركة مع بعض المسؤولین العرب، قررت الحركة القیام بخطوة تھدف إلى توحید الشعب الفلسطیني ورص صفوفه لتحقیق الثورة الشعبیة العارمة التي لا تتوقف إلا بعد تحریر فلسطین تحریرا كاملا. وتنفیذا لھذا القرار بدأت الحركة اتصالاتھا.
.
.
.
أولا: اللقاء مع جورج حبش الأمین العام لحركة القومیین العرب
.
تم اللقاء مع الأمین العام لحركة القومیین العرب جورج حبش، وكان ذلك في الكویت في منزل عضو اللجنة المركزیة للحر كة خالد الحسن وبحضور كل من خالد الحسن وعادل یاسین وعبد الله الدنان ومنیر سوید وسلیم الزعنون ومحمود فلاحة.
ولا بد أن نذكر ھنا أن محمود فلاحة كان قد انضم للحركة قبل ھذا الاجتماع بحوالي شھرین، وأنه أي محمود فلاحة كان من قیادات القومیین العرب، وكان قد توقف عن العمل معھم منذ أكثر من عام. دخل جورج حبش إلى غرفة الاجتماع وسلم على الجمیع وعندما وصل إلى محمود فلاحة أخذته المفاجأة وقال: "أنت ھنا أیضا؟"
قال محمود فلاحة: "نعم یا أخ جورج، ھذا ھو الطریق السلیم، وأرجو أن تكون أنت معنا أیضا وأن نعمل سویا".
كان اللقاء مثمرا جدا، واقتنع جورج حبش بأسلوب فتح بالعمل. وقد عرض علیه الموجودون المشاركة بالعمل والقیادة دون أن تكون القیادة بید فتح بدعوى أنھا أطلقت الرصاصة الأولى. انفض الاجتماع مع وعد من جورج حبش بالبحث مع قیادة حركة القومیین العرب العرض الذي قدمته فتح.
.
ثانیا : اللقاء مع رئیس منظمة التحریر الفلسطینیة السید أحمد الشقیري
.
في شھر أیار [مايو] عام 1965، جاء رئیس منظمة التحریر الفلسطینیة السید أحمد الشقیري إلى الكویت والتقى به أعضاء من اللجنة المركزیة لحركة فتح وھم عادل یاسین وعبد الله الدنان وخالد الحسن وسلیم الزعنون ومنیر سوید.
بدأ اللقاء الساعة العاشرة مساء. جرى الحدیث حول تحریر فلسطین وعرض أعضاء الحركة علیه أن تلتحم منظمة التحریر الفلسطینیة وحركة فتح لتشكلا كیانا واحدا، بحیث تكون القوات الضاربة التابعة لفتح ھي الجناح العسكري لمنظمة التحریر الفلسطینیة. وعندما سأل وكیف یكون ذلك وأنتم حركة سریة؟
كان الجواب: "نمزج السریة بالعلنیة، فتصدر البلاغات العسكریة من المقر السري لمنظمة التحریر الفلسطینیة، وتبقى مكاتب المنظمة المعروفة كما ھي. فكّر السید أحمد الشقیري بعمق وأغمض عینیه وبعد حوالي نصف دقیقة فتح عینیه وقال:
"دعونا أیھا الإخوة نتكلم عن الكفاح المسلح في ظل الأوضاع الراھنة. أنا استمعت إلى حدیثكم وعن نظریتكم التي ملخصھا أن تضربوا العدو ضربات فدائیة موجعة وأن یحاول العدو الرد على ھذه الضربات عبر الحدود باتجاه الدول العربیة المحیطة بفلسطین، وفي ھذه الحال أنتم تفترضون أن الدول العربیة قادرة على الرد بقوة على محاولة العدو اختراق حدودھا، ویظل الأمر ھكذا إلى أن یرھق العدو، وبعدھا تحدث معركة التحریر الكامل".
توقف السید أحمد الشقیري عن الكلام قلیلا ثم تنفّس بعمق وتابع قائلا:
"ھذه استراتیجیة ممتازة لولا خطأ كبیر یقع في صلبھا، وھو افتراض قدرة الدول العربیة على صد العدوان الصھیوني عن حدودھا. أنا أقول لكم أیھا الإخوة إن الدول العربیة غیر قادرة على حمایة حدودھا أمام العدو الصھیوني وخذوا مصر مثلا، إن اقتصاد مصر لا یحتمل حربا، إن واقع مصر الاقتصادي ھو "from hand to mouth" قالھا باللغة الانجلیزیة ومعناھا: من الید إلى الفم، أي أن الدخل لا یصل إلى الجیب، فھي لیس عندھا مخزون اقتصادي تعتمد علیه إذا تعرضت لأي حرب".
وتابع قائلا: "فإذا انھارت جبھة مصر فلا أعتقد أن الجبھات الثانیة ستصمد. لذلك أطلب منكم أیھا الإخوة أن تدرسوا ھذا الأمر دراسة جیدة فإذا خرجتم بقناعة مختلفة وھي أن الدول العربیة قادرة على الدفاع عن حدودھا فأنا معكم".
وانتھى اللقاء الساعة الثالثة صباحا، أي أنه استمر خمس ساعات متوالیة. وفي ختام الجلسة قال السید أحمد الشقیري:
"خلونا نبدأ التعاون، رشحوا من تشاؤون من رجالكم لیكون مدیرا لمكتب منظمة التحریر في دمشق".
وافق أعضاء الحركة على ھذه الفكرة، وأجمعوا على أن یكون مسؤول حركة فتح في دمشق وعضو اللجنة المركزیة في الحركة محمود الخالدي ھو المرشح لإدارة مكتب منظمة التحریر في دمشق. وھذا ما كان بالفعل.
كتب عبد الله الدنان اسم محمود الخالدي على ورقة وسلمھا للسید أحمد الشقیري الذي وضعھا في جیبه قائلا: "لكم ھذا إن شاء الله". وبعد أیام صدر قرار منظمة التحریر الفلسطینیة باعتماد محمود الخالدي مدیرا لمكتب المنظمة في دمشق وظل ھو مدیر المكتب ثم أصبح سفیرا لدولة فلسطین في الجمھوریة العربیة السوریة.
بحثت الحركة ما قاله السید الشقیري واتصلت بالثقات والخبراء من العسكریین والسیاسیین العرب، وكانت آراء الجمیع متفقة مع رأي السید أحمد الشقیري وخلاصته "أن جیوش الدول العربیة المحیطة بفلسطین لا تستطیع الصمود في وجه عدوان صھیوني كبیر".
وللأھمیة الكبیرة جدا لھذا الأمر لا بد من التذكیر بأن اللقاء مع السید الشقیري تمّ في شھر أیار (مایو) عام 1965، أي قبل تاریخ النكسة الكبرى في 6 حزیران (یونیو) عام 1967 بسنتین.
منذ اللقاء مع السید أحمد الشقیري بدأت تتكون لدى معظم أعضاء اللجنة المركزیة العلیا لحركة فتح قناعة تقضي بإیقاف ضرب العدو الصھیوني أو تخفیفه إلى أن تتولد لدیھم قناعات أخرى مثل تغییر استراتیجیة الحركة بحیث لا تعتمد على صمود الدول العربیة المحیطة أمام ھجمات العدو، ویكون ھذا بأن تنطلق ھجمات الفدائیین الفلسطینیین على العدو من داخل فلسطین ولیس عبر الحدود العربیة. وأن یعد الفدائیون للتحریر ولیس للتحریك، وھذا یقتضي التركیز على أن یكون الفدائي منضبط السلوك بعقیدة التحریر انضباطا تاما وبالتضحیة الكاملة والصدق المطلق.
- غلاف كتاب عبد الله الدنان
◄ عود الند: مختارات
▼ موضوعاتي