عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 5: 48-59 » العدد 59: 2011/05 » التباس الديمقراطية والثورة وأصابع الحبر الداكن

عيد بحيص - فلسطين

التباس الديمقراطية والثورة وأصابع الحبر الداكن


عيد بحيصالتباس

هكذا سيبدو لك المشهد العربي مُرتَبكاً ومُرْبِكاً في آن على المستويات الفكرية والجيوسياسية والسوسيولوجية، وهو كذلك مُلتبس على مستوى الوعي بالحوادث والفهم المنطقي للواقع لدى المطابقة بين المرئي المُعاش من ناحية وإسقاطات الحلم بالمأمول من ناحية، فثمة التباس يلقفُ المرء العربي العادي الواقع في مرمى الرحى وبؤرة الدوامة المتسارعة لإحداث تغيير ما، هُنا في غير قُطرٍ عربي. بحيث يطال الحراك الشعبي الجمهوريات والجماهيرية، حاشا الملكيّات مثلاً وهو ما يقع في دائرة الالتباس أيضاً.

وفي خضم هذه الدوامة سيتحاشى العقل العربي الاستجابة لإلحاح كتلة من التساؤلات المُتدحرجة التي قد تُفشي ما أسرّت القلوبُ. تلك هي أسئلة الهوية والقومية والخيانة والوطنية والأسلمة والعلمانية والاستقلال والتبعية فضلاً عن متناظرتي المؤامرة والمغامرة، وكذا الأمر بين فكرتي الكل القومي أو الوطني والتذرير الإثني القبلي أو الطائفي الأفقي والعمودي.

كما تطوي الرحى الفارق بين الحليف والعدو والرفيق وقاطع الطريق بين النظام وحفظ النظام، بين الأخ والأخ الأكبر، بين الثورة والثروة، بين الحرية والخبز، بين الفوضى الخلاّقة والخلق الرشيد للحكم.

هي إذن كل التفاصيل والتفاصيلِ الصغيرة التي نتملص من الغوص فيها ونحن ننكبُّ على صون أحلامنا بتكثيف حراستها، إذ لا نُريد أن ننقلها من دائرة السرير إلى واقع الصحو خشية تلاشي الآمال وانصهارها.

النظام العربي

سنكون في حلٍ من أي التباس يتعلق بالمواقف والرؤى المتعلقة بالنظام العربي البائد والماثل. ولسنا في حاجة لإثبات أو اختبار تلك المواقف. ولعل الأدبيات المختزنة في الباطن الشعبوي المُتناقل والمكتوب تزخر بكل ما فيه بالتفصيل حول ظلم وظلامية وطغيان الديكتاتوريات المتدقرطة. ويكفينا من ذلك الاستدلال بحجم الأعمال الإبداعية الممنوعة والمحجوبة والمحرمة لارتطامها بالنُظم ذاتها. وليس أدل من ذلك الروائيين والشعراء الذي عاشوا وقضوا خارج بلدانهم وسواهم الكثير.

الغريب في كل هذا أن ثمة دولا عربية قمعية أيضاً تدعم معظم حركات التغيير في البلدان التي تحدث فيها وتوظف ما أوتيت من تأثير لإغاثة الملهوفين والصد عنهم في حين سكتت عن أفاعيل الدولة العبرية وإجرامها مثلاً.

الثورة الليبية

لقد بدا الحراك الشعبي العربي من أوله حريصاً على تأطير ثورتهِ بأيقونات تراوحت بين طمأنة الخارج أو الآخر فاسترضائه وخطبِ ودِّه إلى تدليك معاني الوحدة في الداخل بتجميل تشققاته وكسوة نتوءاته، فقد حرص الجميع على نفي صفة الأسلمة عن حركات التغيير تفادياً لاتهامها بالإرهاب فضلاً عن استبعاد الوجهات العروبية والاكتفاء بالقُطرية للتغلب على الهويات النابتة في العقل الباطن من أزقة الحارة إلى بطون القبيلة وتشعيبات الطائفة.

أما الثورة الليبية فقد زادت الالتباس لأنها وقعت في فخ العسكرة مع أول صيحة، ثم أوغلت فيما لا تُطيقه حركة شعبية تصحو من كهف السبات عن بضعٍ وأربعين خريفاً. واقتضى الأمر من وجهة نظرهم طلب النصرة، وذلك جزء من نواميس الكون، غير أن الغريب أن تستجير من الرمضاء بالنار فتطلب العون من يد الدول الإمبريالية التي جربها العرب في "تحرير" العراق، وهي صاحبة اليد المغلولة في دم بغداد وغزة ولبنان وأفغانستان.

وإذا كان الثائر الليبي يضع صورة الشهيد عمر المختار خلفه بكل ما تحملُ من دلالة رمزية، فإن الذاكرة العربية لا تستطيع أن تحمل أدبيات نظيفة عن هذه المسلكيات الخاطئة والتي تُصيب الثورة في مقتل لأنها تستنجدُ بالإمبريالية.

المهم أن المفهوم النقي للثورة يتعرض للنهش باستدخال عبارات من قبيل "لنتحالف مع الشيطان" وأن القطيعة التي زرعها النظام العربي بيننا وبين الحضارة العربية الإسلامية تحت أثفيات (القائد-الله-الوطن) ستمتد حتى في عصر هذه الثورة التي تستعجل أمرها وتتوكل على أمريكا التي لا تأتي ومن لف لفيفها دون ثمن. وطائرة (الأواكس) والقاذفات الغربية لن تزرع الصحراء العربية إلا بالقفر والبور وصناديق الاقتراع والأصابع المغموسة في الحبر الداكن.

D 1 أيار (مايو) 2011     A عيد بحيص     C 0 تعليقات