عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

عـيـد بـحـيــص - فلسطين

تـــدويـــل الــحـــب


عيد بحيصوشاية

لو وشت بك الكلمات ومتون المفردات فتمردت على الخطايا كاشفا زيف اشتقاقاتها في شان أنماط المودّة والمحبة وضحل المرادفات ونضوب الدلالات الخالصة حتى في الترجمات أو المقابلات اللغوية ذلك أن الحبّ شق تطبيقي وليس ظلّا للمفردات، لخلصت إلى أن الحب يشبه تفوق الإنسان على ذاته الدنيا واقتداره على تجاوز مخرجاتها البدائية مستدركا بهتانها وعاصيا سلفيتها المحكمة المستحكمة بين قطبي البيولوجي أي المستنفذة بين المدرك بالرغبة والمحسوس بالنزوة.

تداعيات

ثمة تداعيات إذن تثيرها حشمة الحدود وقيود الناس في افتراض المشابهة بين نتوءات الحرية وقوالب طواعية الوجود تحت طائلة التوتير والتنوير المفتعل المعولم الذي يتتبع حظوة الناس بحجب الظلام تارة ولجم النور تارة. بين الميل والقصد والرغبة والجشع والإيثار المدفوع الثمن والجموح وإطلاق عديد الخصائص المرتبطة بالتورط في زحام الانتفاع والتنفّع والالتفات لمركز الكون عبر أفلاك محورها الأنا ومحيطها الذات، سيغيب الحبّ ويواري ظله متأملا صافنا يذهب بعيدا في أفق الصحوّ وأصول الغفوة والغمّ. لما ينصهر الحب في الذات يعني امتلاكه شكلا معولما لا عالميا يحتاج المرء فيه إلى كواكب لترشده إلى موازين تتجاوز مطبات ونيازك يرتطم الناس بأطرافها المدببة فتدمى قلوبهم وتستنزف قلوبهم.

بين غابتين

عالمان متجاوران متفاوتان في الظل والنور قصدا ودلالة ومبنى وعلوا ونضارة وصفاء وسجية. تجربتان فيهما من التطويع والتجريب ما يشي باختلاف السليقة عن التخطيط وقهر الدرب بالسير لا بالتمهيد وروعة الورد في عفويته عن رغبة الفرد في امتشاق العطر لتورية العيب الطافح في الجسد.

الغابة التي تحكمها الفطرة وتباغتها الشمس أو يناوب جنباتها القمر، لا يتوارى الحبّ فيها ولا يتورع فيها عدو عن عدائه ومكره السافرين الدافقين الشفافين حيث لا مجاز في المقيل ولا مخاتلة في المعنى! أما غابة الإسمنت المتسلّح بوهج المرايا وبرد الحديد فالحب حاجة معوزة ترمقها في الكتب ولا تجدها بين السطور، تسمع طبقاتها في الأقراص الماسية ولا تتلمسه في أفئدة العابرين ولا ينتابك ولا تنتابه لا يأتيك ولا تأتيه لا يلثمك ولا تلثمه. أعني الحب الكامن خارج بريد الجسد وحمى البطن والرغبة، الحب الفارّ من لغة الماء وقيد الطين، المتمرد على نواميس الدنيا بالمعنى الترابي لا بدلالة المجاز الرفيع الذي لا يوفّق بين متلازمات دونية في هذا الوجود.

حب معولم يشي بالمنافع والتنفّع والجنس والاحتكار وتملّك العباد واستدراجهم لطلب الوصاية واستحسان المفروض عليهم من صرعات الموضة وخلطات الطعام ومذاق الشراب إلى دروس الحكم (الرشيد) وولائم السياسة وخرائط الطريق ومنابر (الحرية) وساحات (التحرير) وطرائق وفنون الموت وشكل القبر ولون العينين وملمّع الشفاه وقصة الشعر وطول الشورت وسمك التنورة وطوق السروال وكعب الست ولون الثلاجة والمكواة، إلاّ السقف تبقيه الدّول الفحْلة في قبضتها. فضلا عن وسائد التفريغ النفسيّ ووسائط نقل شحنات المودة، ناقلات الحداثة في الثابت وتسكين المتحوّل. ثمّة تشريد للذهن وترشيد للعقل حتى يستوعب سفسطاء الخبز وشحّ الماء ونفاذ المازوت وانهيار أملاك الحكومة وتدليل القطاع الخاص وخصخصة الطرق العامة وبيع المارة والركاب والسابلة لشركات النقل ودعوة الناس للمشي سيرا للحد من كلسترول الدم علّ المواطن يعكس صورة حضارية عن بلده وينقذ الميزان المالي للدولة من شبح الانهيار.

تدريب

وما دام الحبّ أمرا تطبيقيا -دون أن يكون مخبريّا- فلا بدّ من كيل منسوبه في سلوكنا كبشر نزاعين بفطرتنا إلى التمرد. فهو أي الحب لا يترادف مع الاحتكار والاحتكام لميزان القوة والضعف. ولا يترادف مع تجهيل الأمم واستعبادها واستحياء محارمها واستلاب ثرواتها والحجر على عقلها وتوحيد صورتها على شاكلة الدولة (الفحْلة) بحيث يؤدي فكر الاستهلاك إلى إصدارات ومواليد بشرية مستنسخة بتأثير الصورة النمطية وتوحيد مواقيت (وحام) السيدات وبفعل مدارج التسطيح الثقافي الذي يتجاوز عديد الأمم بافتراض تعدد مشارب الحليب أو اللّباء إلى وحدانية الأمة المرضعة.

تطبيقات

لو أن سيدة موثقة الأطراف إلى سرير الولادة وظّفت ولولاتها باستدراج ذاكرتها إلى استطراد واستقصاء تفاصيل حادثة مشابهة تفوق عمر الوليد المنتظر بعمر والدته، لاستزادت حبا حين تتذكر حال والدتها التي أنجبتها ربما في الكرم أو في البيت قبيل ولوج (الداية) عتبة الدار وفي شفتيها التمائم والمعوذات.

لو أن شابا يتأفف على مائدة اليوم بسبب قلة التراكيب المعقدة في سفرة معوزة البروتين والفيتامين الطازج، تذكرّ صورة والده المتناثر في حبات العرق الحائر في جلب الرزق الذي يقدم كماليات البنين والبنات على حاجاته هو لعمّ الحب فؤاد الابن طالبا رضا الوالدين.

لو أن مستهلكي الخيرات الطازجة من أول نخب في الخبز والفاكهة حتى أنواع الثريد والقديد يتأملون صورة الفلاح الذي يقدّ المنجل كفه بينما يكتفي صاحب البستان بما ضاقت به الصناديق المخصصة للنخبة. لو أنهم حين يشربون اللبن يتذكرون ابنة بائعة الحليب التي لا تفرغ من رعي الماشية ولا تبرأ من رائحة تعلق في الثياب، لكان بوسعهم أن يستحسنوا اللذة ويستبشروا بالخير أكثر.

لو أن الصائم لا ينسى جوعه والعطش الذي حلّ طيلة اليوم بجسده مع أولّ دولاب يتحرك في معدته عند رفع آذان الإفطار، لاتسعت مخيلته لصور الجائعين والعطشى في فيافي الأصقاع المجاورة والقصية.

لو أن ضابطا رفيعا يتذكر لدى اقترابه من منصة تقليد الأوسمة مرؤوسيه من الجنود البسطاء الذين ألهبوا بدمهم ولحمهم صنيع الواجب لعاد إلى ساحة المعركة متتبعا خطاهم ومقطعهم مساحة فضلى من القلب!

لو أن حفيدا يتذكر يدا تحت الثرى أنجزت له ظلّ الكرم والتين دون أن يغبّرّ الثرى طوق قميصه المعطّر، لقرأ السلام على حارس الظلّ في المقبرة!

لو أن عربيا طائشا يعبث في لوحة جهازه الخليوي تذكر صورة الهندي ذي الوجه المجعّد في حيّ شعبي يجدّ في إتمام الدائرة الكهربية في لوحة الإرسال، لاكتشف بان الطيش مهنة العابثين التائهين بين تكنولوجيا اليابانيين والكوريين وقماش الصينيين و(هامبرغر) العم (يو إس)، التائهين المشدوهين في (السوبر ماركيت).

لو أن فتاة عصرية عصت إعلان الجينز، لاكتشفت أن للعقل شكل الروح ومعمار الحبّ وأن وصفة تضييق السروال وتفخيم الشفتين صورة الظل لا محالة تبلى إن أفل النهار.

لو أنّ قارئ الكلام المصفوف على ورق مصقول يتخيل صورة عمال المطبعة بعيونهم المتعطشة للنوم وزيّهم المعشّق بالحبر ولو أن هؤلاء الساهرين تخيّلوا صورة طابخ الحبر ولو خطر ببال الذي سيصفّ الكلمات دون أن يتذمر من مقاييس الورق، اعتناء عمال معمل الورق بالأخشاب التي جلبتها أياد خشنة، لقدر عذر العاملين في هذه السلسلة الأفقية الحافلة بالكدّ والجلد.

لو أن غازيا تأمل صورة جده واطّلع على مذكرات أسلافه لما عاد يحذو حذوهم ولو أنه قرأ رسالة أمه جيدا لرأى وجه حبيبته في صورة الفتاة التي عفرّ خديها بالدم والبارود.

لو أن للسجان مدارا عكسيا لرأى ما يرى السجين في اتجاه الباب والمفاتيح الثقيلة ورأى بأن للسجن بابين ووجهتين في إحداهما هو السجين.

لو أن بناة السدود يتعافون من لعنة الجشع ومصادرة الأنهر واحتكار الطرق البحرية لصار الماء فعلا سلّمنا للطهارة.

لو أن حامل الأزرار النووية يفقد المبادرة والمباغتة في صناعة الرعب ولو انه يضيّع الحقيبة ساعة، هل سيطيق تبعات الخوف ليكتشف سردابا سريا للحب وللنجاة؟!

D 1 أيلول (سبتمبر) 2010     A عيد بحيص     C 0 تعليقات