عيد بحيص - فلسطين
الخبزُ والموتُ والبارودُ والتنمية المُستدامة للفقر
قد تظلُ النهاياتُ عصيةً على الفهم حتى في أدق المنهجيات العلمية أو الفذلكات التنظيرية المنحازة لثيمات أيدلوجية وظيفية أو تموُّلية كمبرادورية مثل تنظيرية فرانسيس فوكو ياما عن "نهاية التاريخ" كوعد أميركي يجعلها في لسان القائل’أنا ربكم الأعلى‘. لم يقل فوكوياما شيئاً عن إشاعة الفقر والغزو واستحياء العواصم وإنما بنى صوره مثالية للولايات المتحدة وهي تتمطى فوق عرش التاريخ. ولم يقل شيئاً عن تغوّل العالم بقيادة الأميركي الذي يحتكرُ وحلفاؤهُ وتبَّعهُ الهواءَ والماءَ والطينَ، يسومون الناس سوء العذاب، تاركين لهم اللهاث وراء قوتٍ لا يجدونه إلا بشق الأنفس.
والحالة في القارة السمراء التي تجري من تحتها الأنهارُ والقرن الأفريقي المشبع بالبكارة واليورانيوم، والصومال خصوصاً، هي أدق تعبير وأشمل صورة عما آلَ إليه العالم (المتحضر) من قسوة وجحود وأنانية وبطش. هُنا، في الصومال يتخثرُ الماءُ في مسامات الصخرِ ويتعثر الطعام في الوصول إلى الملايين بينما يتم إبرام صفقات مليارية لبيع الأسلحة للأطراف المتنازعة. هكذا يُقتل الناجون من يد الموت الناعمة أي البؤس والجفاف بيد جارحة هي النار والبارود.
أن يموتَ الناسُ ميتَة الكلاب في بطن الصحراءِ يعني أن العالم قد بلغَ مداهُ القصي في الانحدار والنخاسة. ليفقد أدعياء الحضارة أدواتهم في إقناعنا بأن العدلَ قيمة وأن كرامة الإنسان أيقونة مقدسة وان الحياة والتعليم والطعام والحرية مُعلَّقاتٌ يَكفلُها العهدُ ألأممي لحقوق الإنسان.
وسيبدو العالَمُ المصاب بالتُخمة والذي يتخثرُ دمهُ من فرط الكلسترول غير مكثرث إزاء تدهور الواقع الإنساني في الصومال؛ فالعالم الذي يتفرّجُ على الصومال هو نفسه الذي يُغدق الملايين لاستثارة الإثنيات وإشعال الحروب الأهلية ورعاية الهلاك والظلم الدوليين. أما نحن بني جلدتهم من العربِ والعربُ النفطاوييون فنتباكى على الصومال للحدِ الذي تسمعُ فيه العويل ولا ترى الدموع.
أما المنظمات غير الحكومية (NGOs) أو المنظمات التي تأخذ على عاتقها (مكافحة) الفقر فتبدو تَبعاً لما انتهى إليهِ العالمُ من عجز وهوان، فقد لا يتعدى دور هذه المؤسسات تنظيم المسوحات الديموجغرافية لرصد الفقر فضلاً عن تنظيم حملات الاستغاثة وإصدار الكتيبات والدراسات والنشرات والبوسترات متعددة اللغات وهو ما يستنزف الميزانيات الشحيحة التي تَتمنّنُ الدول في دفعها.
ولمؤسسات مكافحة الفقر جيوش من العاملين من خبراء وفنيين وعمال (لا ذنب لهم)، أي أن الفقر يفتح فرص عمل لمئات الآلاف حول العالم. وبلغة رأسمالية رقمية يصبحُ الفقر صناعة تكفي الآلاف شر البطالة. فخوفاً من البطالة يصيرُ الفقرُ ضرورة اقتصادية ينبغي استدامتها.
علاوة على ما تقدم فإن ما تقدمه يدُ مكافحة الفقر هذه إنما يُديم الفقر ويزيد رقعته، فالذي يقدم قوت يوم أو بضعة أيام ليظلَّ قلب الفقير معلقاً بالدفعة أو الدفقة التالية من المعونات والعطايا الرخيصة.
◄ عيد بحيص
▼ موضوعاتي
2 مشاركة منتدى
الخبزُ والموتُ والبارودُ والتنمية المُستدامة للفقر, دانا العدوان | 20 أيلول (سبتمبر) 2013 - 17:37 1
كلام صريح صادم في الصميم...كيف أن تراقب رواتب هؤلاء الأدعياء وحذلقتهم وتعاطغهم المزيف مع الفقراء والبؤساء ...
الخبزُ والموتُ والبارودُ والتنمية المُستدامة للفقر, سيرين عبود | 22 أيلول (سبتمبر) 2013 - 16:00 2
كتابة شفافة كاشفة تخترق الواقع البائس وتصلح تماما لأن يشتق منها سيناريو لفيلم جديد صادم للمخرج العالمي اوليفر ستون .