عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

آمال سلامة - الأردن

ســـــعــادة


إشراقة شمس هذا الصباح تشعرني بالسعادة والحيوية والجمال. اليوم سأكون سعيدة. لن أغضب. لن أتوتر. لن أحزن. اليوم يوم الفرح، يوم الحب والتفاؤل والأمل.

هذه الكلمات جعلتها تغادر سريرها مسرعة بنشاط افتقدته منذ زمن. أرأيتِ؟ لستِ مريضة، فها أنت بمجرد مخاطبة نفسك بكلمات بسيطة تنهضين دون تعب أو صعوبة.

"الدنيا حلوة ونزعل ليه ..."

كلمات الأغنية كأنها تخاطبها، وتزيد من إرادتها في خلق الفرح.

سمعت سؤال ابنها: "ماما لماذا أنت سعيدة؟"

فكّرت لحظة، وسألتها سؤالا آخر: "كيف عرفت أني سعيدة؟"

"لأنك لا تصرخين، ولست متوترة، والأهم أنك تغنين."

"وهل يسعدك ذلك؟"

"أكيد، فلقد نسيت كم هي جميلة ابتسامتك. أشعر بالفرح عندما تفرحين، فما الذي أسعدك؟"

"لا شيء محددا. قررت أن أكون سعيدة فشعرت بالسعادة."

بانت علامات الدهشة على وجه الصغير، ولكنه قال:

"المهم أنك سعيدة، وأريدك دائما هكذا."

رؤية سعادة ابنها أدخلت سرورا من نوع آخر إلى قلبها. يا الله! لم تعرف قبل اليوم أنها تثير التوتر في المنزل بتوترها.

ما لهذه السيارة اللعينة؟ لماذا لا تدور؟ هل هذا وقتها الآن؟ تأخرت عن عملي. تذكرت: لم الغضب؟ هل تشتغل السيارة إذا صرخت؟ شتمت؟ إياك أنت اليوم سعيدة.

"هيا يا أولاد، سنأخذ سيارة أجرة، وبعد العمل أرى أمر السيارة."

مضت نصف ساعة ولم تجد سيارة، هذا لا يعقل، كيف سأصل لعملي؟ أجابت ئالرنين المتواصل للهاتف النقال في حقيبتها:

"أين أنت يا هدى؟ هل ستتغيّبين عن العمل؟"

"لا، أنا في الطريق، سأصل بعد لحظات."

تجاهلت تعليقات مدير مدرسة ابنها وتوبيخه له ولها على التأخير. وعدته بعدم تكرار ذلك. لم تغضب. اليوم يوم الفرح.

كانت تعليقات مديرتها في المدرسة جارحة ومهينة:

"ما هذا التأخير؟ لقد بدأت الحصة منذ عشر دقائق، ولم تحضري الطابور الصباحي، وانظري إلى نفسك كأنك خارجة من معركة."

تذكرت أنها مشت تحت المطر وفوق الطين في انتظار سيارة الأجرة، ولم يكن هناك مجال لترتيب نفسها قبل دخول الصف. لم تغضب. هي اليوم سعيدة.

ضحكات التلميذات المكتومة وهمساتهن لم تعن لها شيئا. وماذا في الأمر؟ لقد نسيت موضوع الدرس. ذهني مشتت. لحظات وأتذكر الموضوع:

"نعم يا فتيات، درسنا اليوم حول موضوع المخدرات."

"لقد أنهينا هذا الدرس الأسبوع الماضي يا معلمتي."

"الأسبوع الماضي؟ كيف ذلك؟ ما هو تاريخ اليوم؟"

وعلا الضجيج والضحك داخل الصف. شعرت أن الموضوع سيخرج عن السيطرة. أرادت رفع صوتها بالصراخ، فلطالما كان وسيلة فعّالة في إثارة خوف الطالبات وفزعهن، تذكرت:
لا غضب اليوم. أنت سعيدة.

"اسمعن يا فتيات، أعلم تاريخ اليوم، وأعلم تماما موضوع درسنا. كان الأمر مجرد تشويق وإثارة لنبدأ الدرس بضحكة. والآن أرجو أن تفتحن كتبكن صفحة 45، ولتقرأي لنا يا هند."

عجبا! كأن هذه الكلمات عصا سحرية، فقد ساد الهدوء واستجابت الطالبات، وقد علت شفاههن ابتسامة لطيفة.

"ماذا أعددت لنا للغذاء؟ أشعر بجوع شديد."

لم نصل البيت بعد. عندما نصل أفكر ماذا سنأكل؟ أنا لم أطبخ أمس، كنت متعبة، سأشتري شيئا جاهزا. آه تذكرت النقود التي معي لا تكفي لذلك، ولا يوجد شيء في البيت. بدأت علامات التوتر تظهر عليها، سرعان ما زالت: لا لن أغضب، أنا اليوم سعيدة.

دخلت باب العمارة لتجد صاحبة المنزل واقفة بانتظارها. ألقت عليها التحية وحاولت أن تتجاوزها مسرعة، ولكنها استوقفتها قائلة:

"متى ستدفعين الأجرة المتأخرة؟ أنا محتاجة للنقود أريد أن أصرف."

"آخر الشهر إن شاء الله، مع الراتب."

أجابتها وهي تصعد إلى شقتها في الدور الثالث. غالبا تصعد الدرج متثاقلة ولكنها اليوم تصعده نشيطة سريعة. أهو الفرح الذي تعيشه؟ أم الهروب من الجارة؟

فتحت الثلاجة لإخراج بيض تعده للغذاء، عجبا! لماذا الثلاجة مطفأة؟

تفقدت ساعة الكهرباء. لا كهرباء في المنزل. نعم هناك فواتير متأخرة وبالتأكيد شركة الكهرباء فصلت التيار.

لا يهم، سأضيء الشموع. إنها جميلة ورومانسية تناسب جو الفرح الذي أعيشه. بحثت عن الشموع في كل مكان. لم تجدها، بقيت في الظلام. ولكن النور الذي يشع من داخلها، ويشيع في المنزل أغناها عن النور الاصطناعي. ألم أقل لكم أنا اليوم سعيدة؟

استلقت في السرير، وكعادتها استرجعت شريط اليوم بكامله. ارتسمت ابتسامة كبيرة على وجهها، فقد استطاعت أن تحقق لنفسها السعادة، وقررت: غدا سأكون أيضا سعيدة.

D 1 آب (أغسطس) 2007     A آمال سلامة     C 0 تعليقات