عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

آمال سلامة - الأردن

الآلــة والـنـغـــم


أكملت هند زينتها ونظرت بفخر إلى نفسها في المرآة قائلة: "حقّا إنك جميلة، لا عجب أن يتسابق الرجال للتعرف بك ومحاولة التودد إليك، ولكن ألا يرى أحمد أنني جميلة؟"

علت وجهها كآبة عابرة وهي ترى الماضي البعيد، عندما كان أحمد يراها أجمل نساء الكون. أحبته وتزوجته. وبعد الزواج أصبح يتصرف وكأنه لا يراها. لماذا؟ هي لم تهمل نفسها أو مظهرها أو جمالها. وهي لم تهمله أيضا. أهكذا الزواج يقضي على كل شيء جميل؟

لم تُطِل التفكير، فرنين الهاتف الجوال أخرجها من كآبتها. ارتسمت ابتسامة عريضة وهي تقول: "طبعا لم أنسَ الموعد، وأنا الآن أستعد للخروج من المنزل."

أخذت حقيبتها وخرجت مسرعة كأنها هاربة من شيء ما.

هناك في مطعم راق، وفي ركن منعزل، وجدته بانتظارها. كان يتأملها وهي تتقدم من مائدته: واثقة، أنيقة، جميلة. تزداد تألقا وجمالا كل مرة يلقاه فيها. سحب لها المقعد وهو يتلعثم في كلمات الإعجاب والحب.

"هل جعلتك تنتظر كثيرا؟" قالت لكمال.

"أنا مستعد لانتظارك طول العمر، فأنت من يسعى لها الفؤاد."

"إنك تخجلني بكلمات الإطراء هذه، على كل حال شكرا لمجاملتك."

"أنا لا أجامل، بل أقول الحقيقة."

قطع عامل المطعم حديثهما عندما قدّم لهما قائمة الطعام، واقترب من كمال وهمس في أذنه شيئا، وتركهما.

"ما رأيك أن نتناول وجبتنا بعيدا عن العيون؟"

"أتقصد خارج المطعم؟"

"نعم، كنت قد حجزت غرفة لنا في الفندق أعلاه. ما رأيك أن نصعد للغرفة ويأتينا الطعام هناك؟"

بحاسة الأنثى عرفت ما يرمي إليه، ولم تتردد بالقول: "فعلا يكون أفضل."

غادرا المطعم. وقفا بانتظار المصعد الذي لم يلبث أن جاء وصعدا فيه. داخل المصعد كان هناك رجل وامرأة. نظرت إليهما. شعرت أن التوتر يحيط بهما. لا بدّ أنهما زوجان. كل منها يدير وجهه عن الآخر. لم يكن أحمد يختلف عن هذا الزوج. كان إذا خرج معها يبتعد عنها كأنها تهمة يخشى أن تلتصق به. ولما تزوجها اشترط عليها ألا تعمل.

قبل الزواج انجذبت لشخصيته وماله. كانت فقيرة وعائلتها كبيرة. وعدها بالمنزل والسيارة والمال. لم يخلف وعده. أسكنها منزلا جميلا، وأهداها سيارة فخمة، ووضع المال بين يديها تأخذ ما تشاء وقتما تشاء. عاشت الترف والرفاه. ظنت أنها أسعد امرأة.

لكنها سرعان ما شعرت بالوحدة. انتبهت أن زوجها غير موجود في حياتها. يخرج صباحا ويعود متأخرا ليلا يشكو التعب وكثرة العمل ولا يلبث أن ينام. تريد محادثته فيقول لها: "ليس اليوم أنا مرهق، غدا نتحدث." ولا يأتي الغد.

وصل المصعد إلى الطابق العاشر ودخلا جناحا فخما. جاء الطعام بعد فترة قصيرة. تناولاه على مهل وتجاذبا أطراف الحديث. ثم انتقلا إلى الأريكة. اقترب كمال من هند وقال: "كم تمنيت أن تكون لي زوجة مثلك! هل زوجك أعمى كي لا يرى هذا الحسن؟"

ابتسمت في دلال وهي تهتز فرحا ويده تلامس جسدها. لم تشغل بالها بأي شيء سوى أن تعيش اللحظة.

في المساء عاد زوجها. أعدت مائدة العشاء بينما كان يغيّر ملابسه. جلسا معا. نظرت إليه بدقة وهو سارح كأنه لا يراها. سألته: "ما بك يا أحمد؟"

"لا تشغلي بالك، أمور لا تهمك، ولن تفهميها."

"أريد محادثتك بشيء هام."

"أتريدين نقودا؟ غدا أضع في حسابك مبلغا جديدا."

"لا، ليس هذا ما أريده."

"ماذا إذن؟ ألا يمكن للأمر أن ينتظر؟ ألا ترين أنني متعب وأريد النوم؟ نتحدث غدا."

"دائما تقول ذلك ولا يأتي الغد هذا."

قام عن مائدة العشاء. غسّل يديه وفمه، ثم ذهب لغرفة النوم. تجاهل ما قالته، وكأنها لم تقل شيئا.

لحقته إلى غرفة النوم، وقالت: "أريد زوجا."

مزقت ضحكته المجلجلة سكون الليل. "ماذا؟ هل جننت يا امرأة؟ وماذا أكون؟"

"أتحسب نفسك زوجا؟"

"وماذا ينقصك؟ كل شيء لديك. الكثيرات يحسدنك على زوجك ووضعك، ماذا تريدين بعد؟"

"أريد أن أشعر بوجودي في حياتك. أريد أن تشعرني بأهميتي لديك، بحبك لي."

"فعلا لقد فقدت عقلك. ما هذه السخافات التي أسمعها؟ آه فهمت، لماذا لم تقولي ذلك صراحة، تعالي قربي."

"لم أقصد ذلك؟"

"ليس مهما ما قصدت. هذا ما أريد الآن. تعالي قربي"

بعد دقائق قليلة أدار جسده إلى الناحية الأخرى وما لبث أن استغرق في نوم عميق.

بقيت مستيقظة وقارنته بكمال. مع كمال تشعر أنها ملكة، كأنه يقرأ أفكارها ويأتي فعله و كلامه مصدقا لها.

قامت من سريرها وانتقلت إلى غرفة أخرى من البيت الكبير. طلبت رقم كمال فجاءها صوته مرحبا، متشوقا: "لقد كنت أفكر فيك."

"صحيح؟ ألم تكن نائما؟"

"وعندما أنام أراك في منامي."

انتشت أحاسيسها بكلماته، ونقلتها فوق السحاب. واستسلمت بعد حديثهما لنوم هانئ عميق.

D 1 حزيران (يونيو) 2007     A آمال سلامة     C 0 تعليقات

بحث



5 مختارات عشوائية

1.  كلمة العدد 85: ظاهرة اليساريين سابقا

2.  عن لوحة الغلاف

3.  حالة الطقس في جهنم لهذا اليوم

4.  النقد الاستقرائي في أعمال الفنان عدنان يحيى

5.  فاكهة فلسطينية

send_material


microphone image linked to podcast



linked image to oudnad.net pdf_xive
linked image to oudnad.net/dox