عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

مادونا عسكر -لبنان

فن الكتابة وسرّ الإبداع


المبدع هو من يخلق ما لا مثيل له من فن أو فكر أو عمل، فيأتي خلقه متقناً ومتميّزاً عن كلّ ما سواه. ولا بدّ للمبدع أن يسكب كلّ حبّه في إبداعه، لا بل يضع فيه من ذاته ويطبع بصماته عليه.

ومن الإبداعات الّتي جمّل بها الإنسان هذا العالم، فنّ الكتابة. فالكتابة، وهي صياغة الكلمة، لا تصبح إبداعاً إلّا إذا انطبعت بروح الكاتب، فتلمس قلب القارئ وتنير عقله. وتمسي القطعة الأدبيّة هي المبدع لأنّها تعبّر عن أفكاره وهواجسه ومشاعره وأحلامه. كما تصبح هويّته الأساسيّة تعرّف عنه وتعكس صورته.

والكاتب ليس مؤلّفاً وحسب وإنّما هو كذلك المصغي للوحي، يستنير بنور الكلمة ليجسّدها على الورق. وإن لم يفعل صار أشبه بخائن لها. وعندما يجسّد هذه الكلمة لا بدّ أن تمتلك شيئاً من خصوصيّته وإلّا بدت للقارئ جافة وباهتة.

وأقول وحياً، لأنّ الوحي فقط متى تجسّد كلمات أدخل إلى روحنا لذّة العودة إليه لقراءته مرّات ومرّات وفي كلّ مرّة نشعر أنّنا نقرأه للمرّة الأولى. وهنا الفرق بين كاتب وآخر، قد نقرأ كتاباً أو مقالاً ونشعر أنّه مجرّد معلومات منثورة بشكل منمّق أم سرد نثري أبرع كاتبه في حياكة الأسلوب ونكتفي بذلك. وقد نقرأ آخر فيبدو لنا أنّنا دخلنا عالماً جديداً مع الكاتب وغصنا في تأمّلاته وكأنّنا جالسون معه ويتوجّه إلينا بشكل شخصيّ.

والقطعة الأدبيّة لا تلمس القارئ إلّا إذا تفجّرت من ألم الكاتب، فالكلمات الّتي تلمس القلوب هي كلمات تنبع من آلام عميقة. ولن تتحوّل إبداعاً إلّا إذا لامسها الألم الرّاقي وصقلها لتصبح تحفة ثمينة في متحف الحياة.

الكلمة سرّ الكاتب وقد يبقى معناها الأصليّ في قلبه بعد أن اختمرت في عقله، يغوص فيها القارئ ليتأمّل ذاته من خلالها ويكتشف عوالم أخرى أبعد بكثير من التفصيل السّطحيّ للحياة اليوميّة. كما يكتشف عمق فكر الكاتب لأنّ روحه الحاضرة في النّص تحاكيه بشفافيّة وصدق، فكم من كتّاب غيّروا العالم بسلاح الكلمة، وكم منهم حوّلوا مسار التّاريخ لأنّهم ناضلوا بالكلمة.

D 25 حزيران (يونيو) 2012     A مادونا عسكر     C 13 تعليقات

4 مشاركة منتدى

  • تعريف مدهش ورائع وممتع غير مسبوق لماهية الابداع في فن الكتابة تحديدا ! درس بالغ الحكمة للمتسرعين وعاشقي الشهرة ! المقالة تستحق القراءة أكثر من مرة ليتم استيعاب مكوناتها الغنية !


  • اتفق معك استاذة مادونا في كل ما قلت عن الابداع. وتعريفك البسيط له هو ابداع بحد ذاته.

    ولكن ألا تتفقين معي في أن الابداع مفهوم نسبي، يتغير بين شخص لآخر ومن ثقافة لاخرى؟ فمثلا النص الابداعي في مصر قد لا يكون ابداعيا في لبنان، لاختلاف الثقافة او لاختلاف البيئة.


    • الابداع واحد في كل الأزمان والعصور ، واتفق معك في كونه يختلف تبعا للثقافة السائدة والبيئة المهيمنة ، ولكن النص الابداعي واحد وانساني وليس نسبي ، والدليل أن الجوائز العالمية في الموسيقى والأدب والفن والسينما والرواية والرسم وخلافه تعطى لأعمال ابداعية متنوعة ثقافيا وبيئيا ولكن يتفق المحكمون (الحياديون والنزيهون ) على وجود نفس ابداعي يستحق التميز والدهشة والاعجاب ! وكما نلاحظ في مواد عود الند المشورة فكلها تتمتع بالحد الأدنى المطلوب من مواصفات الكتابة الجيدة ، ولكنها لا تتميز كلها بالابداع والفرادة ، وكما عبرت الكاتبة الكريمة عن ذلك ببلاعة عندما اشارت في مقالتها الرائعة : "المبدع هو من يخلق ما لا مثيل له من فن أو فكر أو عمل، فيأتي خلقه متقناً ومتميّزاً عن كلّ ما سواه. ولا بدّ للمبدع أن يسكب كلّ حبّه في إبداعه، لا بل يضع فيه من ذاته ويطبع بصماته عليه". واعتقد ان ادارة التحرير الموقرة قد نشرت هذه المقالة بقصد لازالة اللبس والغموض حول هذا الموضوع البالغ الأهمية وكانها تدعو المشاركين لبذل كل طاقاتهم الكتابية لتحقيق الابداع ،حتى لا يتحول الأمر لمجرد نصوص روتينية تدور حول ذاتها ! وكمثال سريع معبر لناخذ الفيلم الايراني " الانفصال" الذي حقق الاوسكار كاحسن فيلم اجنبي لعام 2011 ، فتيمة الفيلم تتحدث عن تفاصيل الحياة اليومية لزوجين عاديين ، ولكن طريقة تناول المخرج الايراني لمواضيع العمل والطموح والهجرة ورعاية الوالدين وصراع الطبقات كانت متميزة وابداعية ولافتة ومثيرة للجدل ، من هنا فقد تم منحه الاوسكار وتميز على أفلام اخرى مرشحة اكثر تكلفة وابهارا ! مع خالص الود والاحترام

    • بلا شكّ أستاذي، فكلّ شيء في هذه الحياة نسبيّ، ولكنّي أعتقد أنّ الرّابط الوحيد بين كلّ الإبداعات هي روح المبدع الّتي نراها حاضرة وبقوّة.

    • في اعتقادي المتواضع فان أكبر عائق يواجه الابداع في عصرنا المضطرب الحالي هو الصدق والعفوية في التعبير وبطريقة طرح الأفكار ، ثم حواجز التابوات الثلاثة المعروفة وهي الدين و السياسة والجنس ! وربما صدق الشاعر السوري العالمي أدونيس عندما قال : "هل على الكاتب أن يمارس الكذب، أم أن عليه أن يقول الصدق؟ لكن، أليس الصدق أحيانا نوعا من الموت؟ " هذا الموضوع مثير للجدل وربما يحتاج لمقالة او ملف لسبر أغواره وغموضه وملابساته ، وخاصة ومنطقتنا العربية تفور بالحراك الشعبي وبثورات ما يسمى الربيع العربي ، وبكثرة التدخلات والاصطفافات والرغبة الجامحة بالكراسي والسلطة وباحتكار الحق والصواب لهذا الطرف او ذاك ! ناهيك عن شتى دروب التضليل الاعلامي الموجه وربما المشبوه ، وبدخول معظم المثقفين والمبدعين الانتهازيين والمنافقين والمنتفعين والمسيسين وكذلك الصادقين والشرفاء على الخط وعلى حد سواء ! وربما يتحفنا رئيس التحرير بطرحه الموضوعي الفريد او حضرة الكاتبة المبدعة مادونا عسكر بمقالة ريادية او لنقل " تنويرية " تنير الدرب او تضيء الزوايا المظلمة في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ المنطقة العربية ! وربما كنت صريحا أكثر من اللازم في طرحي هذا ، ولكن رسالة وو ظيفة المثقف تتجلى في أن يكون صادقا وصريحا وأن يبادر بقرع "الجرس" !! ودمتم جميعا مع فائق الود والاحترام .

    • أوافقك استاذ مهنّد أنّ العائق الأكبر الّذي يواجه الإبداع هو الصّدق والعفويّة، وذلك لأنّ الصّدق هو الرّكن الأساس للإبداع. ما لم يترجم الفكر بصدق فلا يستحق ان يقال عنه إبداعاً ويتحوّل إلى مجرّد عمل يدخل ضمن إطار الكلمات المنمّقة الّتي تدغدع المشاعر فقط ولا تترسّخ في ذهن المتلقي.
      أمّا التابوات الثّلاث الّتي أشرت إليها ألا وهي الدّين والسّياسة والجنس، فطرحها يحتاج اشخاصاً واسعي االأفق واحراراً من الدّاخل، بمعنى أنّهم لا يخشون الانتقاد الموضوعيّ والبنّاء. كما أنّنا نفتقر إلى ثقافة النّقد، الّذي هو غير التّهجّم والرّشق بالاتّهامات. بالنّسبة لي أستاذي كلّ شيء خاضع للنّقد والتّحليل إذا أردنا أن نبني مجتمعات متحضّرة ذهنيّاً وحرّة فكريّاً. وأعني بالحرّيّة الفكريّة، المقدرة على تناول أي موضوع بتجرّد وعدم اعتباره شأناً شخصيّاً. كما أنّ الإعلام الموجّه يساهم في تغذية حضارة اللّافكر باستثارة الغرائز وحضّ النّاس إمّا على التّناحر طائفيّاً ومذهيبّاً وسياسيّاً وإمّا على تخدير عقولهم من خلال اشخاص يؤلّهونهم فسمعون كلامهم وينفّذونه كأمر مطاع..
      تحياتي أستاذ مهنّد واحترامي

  • فن الكتابة وسرّ الإبداع : مادونا عسكر

    لِمَ لا تتفجر عبقرية المبدعين، إلاَّ بالأحزان فحسب..؟ ولماذا نستبعد الفرح من الإبداع دون أن نحملَ المسألة أبعاداً أخرى..؟


  • ان الكتابة الابداعية هي القدرة على مفارقة الواقع والعلو عليه وتصفيته حتى لا تبقى منه الا شبكة العلاقات التي تحمله، والكتابة هي القدرة ببراعة على تجنب المباشرة والهدفية . انها "هدفية بلا هدف " حسب تعبير الفيلسوف "كانت " ، أي أنها تحمل هدفها في ذاتها ! ان طغيان الأنماط الانشائية والوصفية الساذجة على النمط الدارج للكتابة العربيةالراهنة يعكس حالة التراجع والانتكاسة الثقافية العربية ،كما أنه لا يعد ابداعاولا يتحتم بالتالي تشجيع هذا النمط من الكتابات حتى لأسباب تتعلق بالمجاملة والعلاقات العامة !لأن ذلك يمهد لطغيان السوقية والانتهازية واوهام الابداع والعظمة المزيفة على سوق النشر العربي ، وقد يؤدي ذلك لخلل في مفاييس الابداع ولطغيان المباشرة والتقليدية والامتثال والراهنية ولانتاج ادب انشائي-وصفي لا يرقى ابدا للمستويات الابداعية !


في العدد نفسه

ياسمينة صالح: تعزية

تهنئة رمضانية

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 73: الليبرالية: ما لها وما عليها

الجمال بين الذاتي والموضوعي