عدلي الهواري
كلمة العدد 73: الليبرالية: ما لها وما عليها
مفهوم الليبرالية ليس مفهوما موحدا مجمعا عليه، فهذأ أمر مستحيل بالنسبة إلى كل المفاهيم. ولكنه شائع الاستخدام هذه الأيام، ويستخدم في سياق سلبي وإيجابي، فقد يكون المقصود مديحا أو شتيمة عندما يوصف شخص ما بأنه ليبرالي.
المصطلح معتمد على تعريب لكلمة ليبرتي (liberty) التي تعني الحرية، وهناك كلمة رديفة للحرية هي فريدوم (freedom). ورغم وجود من يقول إن هناك فرقا بين الاثنتين، إلا أن الشائع استخدام الكلمتين لتعنيا أمرا واحدا وهو الحرية. أما مفهوم/مصطلح الليبرالية فله مضامين سياسية واقتصادية. وهنا يظهر أول اختلاف حول المضامين بين الليبراليين أنفسهم وبين مؤيدي الليبرالية ومنتقديها.
تقوم الليبرالية في الشق السياسي على حقوق وحريات الفرد، قبل الجماعة، وليس لحكومة أو سلطة حق في التصرف فيها. أما في الشق الاقتصادي فالاختلاف أعمق وأوسع، فبعض الليبراليين يرى أن تقديم العون للفقراء من واجبات الدولة، وآخرون يرون أن هذا ليس من شأنها.
كتعبير مستورد إلى العالم العربي، تطلق صفة "ليبرالي" على أشخاص لو دققنا فعلا في مدى قبولهم لمبادئ الليبرالية، خاصة ما يتعلق بالحريات الفردية، سنجد أنهم ليسوا ليبراليين حقا، وأفضل مثال على ذلك صحفيون يسمون ليبراليين لكنهم مؤيدون لأنظمة حكم أو أحزاب لا صلة لها بالليبرالية.
وفي المقابل نرى استخدام الليبرالية كشتيمة خاصة في المجال الاقتصادي/المالي، فيقال إن الشخص الفلاني أحد الليبراليين الذين افقروا هذا البلد العربي أو ذاك من خلال خصخصة مؤسسات القطاع العام.
هناك علاقة وثيقة بين الليبرالية والديموقراطية، توصف بأنها علاقة متوترة، أو علاقة بين ضدين أو متنافسين، فالليبرالية أساسها الفرد، والديموقراطية أساسها الشعب والمساواة. ولم تُقبل الديموقراطية كنظام حكم إلا بعد توفيق بين الليبرالية والديموقراطية، بحيث لا تكون الديموقراطية "دكتاتورية الأغلبية"، أو دكتاتورية بالتصويت. ولذا تم اعتماد فكرة الدستور الذي يصون الحقوق الفردية، وينظم العلاقة بين الفرد والشعب من جهة والدولة من جهة أخرى.
ويمكن القول إن الليبرالية والديموقراطية وجهان لعملة واحدة، فلا يعتبر نظام ما ديموقراطيا إذا كان يحكمه مدى الحياة شخص واحد، ولكن قصره مفتوح لكل الشعب. وكذا الحال بالنسبة إلى نظام يسيطر عليه حزب واحد، أو توجد فيه أحزاب عدة، ولكنه الحريات الأساسية غائبة أو مقيدة بقيود شديدة.
خلاصة الموضوع أن الليبرالية ليست مديحا أو شتيمة، وحدود الليبرالية سياسيا واقتصاديا غير ثابتة لأنها محل خلاف دائم، وخاصة في ما يتعلق بالحريات ومداها في الشق السياسي، والعدالة والرعاية الاجتماعيتين في الشق الاقتصادي.
وبناء على ما سبق، يجب أن يعي كل من يطالب بالإصلاح والحرية والديموقراطية أنه يطالب أيضا بتطبيق مبادئ من الليبرالية، والمطالبة بإقامة نظام ديموقراطي يترتب عليه استحقاقات من قبيل حريات أساسية لا تضيقها أو توسعها السلطة ليناسب مقاسها ولونها السياسي أو الأيديولوجي.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]
المفاتيح
- ◄ قضايا فكرية
- ◄ كلمة عدد
6 مشاركة منتدى
في كلمة العدد عن الليبرالية – للأستاذ عدلي الهواري
حملني موضوع الافتتاحية إلى "رحلة إبن فطومة" لنجيب محفوظ حيث يسلط الضوء على معظم الأنظمة التي تحكم العالم، ويترك نهاية الرحلة مفتوحة لكل الاستنتاجات، لكنه يخلص إلى القول في نهاية الكتاب قبل أن يبلغ "دار الكمال" في محطته الأخيرة من الرحلة ، بأن "دار الكمال" لن يبلغها إلاّ المختارون أفراداً لا جماعات.
1. كلمة العدد, 25 حزيران (يونيو) 2012, 08:07
توضيح معرفي ضروري لازالة اللبس والغموض ، وبالفعل فاصطلاح " الليبراليون الجدد " يستخدم الآن ضد بعض الفاسدين اللذين ساهموا في افقار هذا البلد العربي او ذاك ! وعموما فهذه التقسيمات اصبحت تستخدم الآن في التراشق الاعلامي -الدعائي ما بين مجموعات ما يسمى الربيع العربي ، ويقصد منها الاصطفاف والتعصب والتحزب ضد هذا الطرف او ذاك احتكارا للحق والصواب ، عكس ما يحدث في البلاد الديموقراطية المنفتحة التي تستغل كافة التوجهات الوطنية الشريفة لبناء مصير الأوطان !
شكراً أستاذ عدلي لاختيار موضوع الليبرالية للحديث حوله، وقد بتنا نشهد كثيراً ممن يسمون أنفسهم بالليبراليين يناقضون أنفسهم في مفهوم المعني، ويجهلون كثيراً من التداخلات التي يأخذهم إليه هذا المعني، فالكثير يفهم الليبرالية على أنها الحداثة المعولمة والانفتاح واللا ايدولوجية والحرية، فيرفض على رأس ما يرفض الاتجاهات الدينية ويتهمها بالشد الحضاري المعاكس، ويرى بالنموذج الغربي المستورد مثاله ونموذجه، فيقلد المواقف السياسية والاقتصادية ويتحفظ في الاجتماعية بما يخصة شخصياً ويستبيحها بما لا يخصة، وكأنما هو التناقض بعينه.. استيراد المصطلحات ذات المقاصد الغربية البحتة أصبحت ترهق الانسان العربي وتأخذه مآخذ خارج هويته وثقافته وقيمه.. نسأل الله أن يغير حال هذه الأمة إلى الوعي الحضاري الاسلامي بكل مكوناته ومحاوره الذي به ستسلم هذه الأمة
الأخ عدلي شكرا على هذا العمل المفهومي الذي حاول فكّ الارتباط بين مجالات مختلفة . التداخل بين المفاهيم والأشياء والصّلوحيات هو سبب رئيسي في مشاكلنا السابقة والراهنة والتي ستأتي . فالخلط بين السياسي والديني وبين الاعلام والحاكم وبين الأسطورة والعلم وبين الدعاية والنقد وبين التشريع والقضاء وبين المرجعية الايديولوجية للحاكم والمحكومين كان سببا في تشريد المبدعين ونعتهم بصفات التمرد والكفر والزندقة : ابن رشد-الفارابي-الحلاّج.... وذلك يعبّر عن كُره وخوف من التّفكير ورفض للفكر النّقدي الذي هو شرط التحرر من سجن الفكر القطيعي ومن أنانيّة السياسي ومن سُلطة الفكر الأسطوري . نحتاج للعقل وللاختلاف وللفهم وللتأويل لنعيد الاعتبار للانسان وخاصة العربي بعض الأهمّية ولن يكون ذلك ممكنا الا اذا كشفنا على المسالك التي على الفكر أن يطالها لأنّ كل موضوع يمسّ بعدا من أبعاد الذات . علينا التفريق بين ما قبل سنّ الرّشد للفكر وبين مرحلة نضجه وهذا يتطلّب جهدا وصراعا وتمرّدا وتجديدا وتلك مهمّة المبدعين على اعتبار أنّ " العقل ألم ومرارة " بعبارة ابن رشد . مع عميق محبّتي
1. كلمة العدد, 29 حزيران (يونيو) 2012, 22:13, ::::: مهند النابلسي
اضافة تنويرية رائعة تلقي الضؤ على جوانب بالغة الأهمية في العلاقة بين السلطة والابداع ! وتكمن المشكلة بعزوف أصحاب القرار والسلطة عن الثقافة والقراءة وبتكاثر المنافقين والمتزلفين حولهم !
الديمقراطية والليبرالية وغيرها تبقى نسبية، وقد تختلف من بلد إلى آخر حسب ضوابط اجتماعية وسياسية واقتصادية وبالتأكيد دينية. أما عند العرب فهي مفاهيم مشوهة لا تستند إلى أي ضابط في الغالب اللهم إلا ضابط المصلحة والمنفعة.
مشكلتنا ليست في المصطلحات أو المفاهيم بقدر ما هي مشكلة فهم وسلوك وقيم ورؤى مشتركة. الإسلام مثلاً كان مظلة للمسلمين (على مستوى الحكم) منذ عهد النبوة حتى نهاية الدولة الإسلامية، ولكن شتان شتان بين إسلام طبق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من الخلفاء الراشدين، وإسلام في العهود الأخرى التي انحسر فيها تطبيق الإسلام حسب مصلحة الحاكم وقناعاته.
وعودة إلى الديمقراطية، فإن كانت الديمقراطية ستأتي بمن أريد فبها ونعمت، وإن كانت ستأتي بخصمي فلا نريدها. ومثلها الحرية، فأهلاً بحرية تحقق رغباتي وشهواتي وهي لي حلال زلال، ولا مرحباً بها إن كانت ستعطي خصمي فرصة لإبداء الرأي وحرية التعبير لكشف عوراتي وضحالة فكري. نعم لحرية التعري ولا لحرية الستر. هذا هو منطق الأمور عندنا للأسف، منطق أعوج... فمتى يستقيم؟!!
مادام يحكم البلد اكثر من حزب واكثر من توجه فهو سفينة كثرت القراصنة التي تغتنمها ...الليبرالية حرية و حرية الاحزاب تعددها واذا تعددت كل منها ياكل قطعة من البلد بقينا جياع وسافروا هم متخمين الى بلد ينادي بالليبرالية و لايطبقها الا علينا . افضل الحكم الواحد والرجل الواحد.كفانا حرية وديمقراطية بلا انسانية
اقترحت في احدى مقالاتي تشكيل هيئة استشارية من كل التيارات السياسية والاجتماعية الفاعلة والمؤثرة في المجتمع، ومن شرفاء معروفين بالنزاهة والسمعة الحسنة والثقافة والفكر الحصيف، وان تتضمن حتى أشخاصا مما يسمى بالمصطلح الدارج "الفلول"، فهناك شرفاء في كل المجموعات، وان لا يتم تخوين أحد فالوطن للجميع.
وها أنا اطرح نفس الفكرة مرة اخرى. المستقبل لا يصنعه فريق واحد متجانس، وانما التنوع الفكري والحضاري هو الذي يصنع المعجزات. ودمتم مع الود والاحترام.