زيـنـب خليل عـــودة - فلسطين
لـن أعــود
لأجلك تجاوزت الحدود. تجاوزت كل شيء، وقادتني خطواتي عند أبواب المجهول. عبدت نبضات قلبي بورد الياسمين والفل، واتجهت بعيدا عن حدود المنطق والعقل والإدراك، وتركت روحي وحناني يمتدان إليك بجذور لا تفصلها أي مساحات. هاجرت عالمي لأجلك أنت. حتى نفسي هانت علي. هذا وما كنت تدري من أنت. سافرت بحبك رحلة السنين، ومضيت بمحطات أجهل أيا فيها المستقر، وأين فيها الحنين. لملمت حاجاتي حتى القلم الصغير، أبحث عن زاد. ولكن ما بقي لي غير الطريق الطويل. ما كنت فاعلة بحبك الآن، لو كانت القبور تتحدث لأجابتني.
جرحت. تألمت. ولكن صبرت، وحاولت مرارا، وسئمت تكرار الفشل، وبقيت شاعري بلا شعور، تخط الكلمات، وتبدل الحروف، وتنتقي عناوين القصائد، وتدغدغ مشاعر العاشقين، وتوقظ كل الجروح. ورغم حزن غريب وإحساس يسري في أعماقي تنسجه خيوط من الذكريات وحسرة الانتظار والأشواق، أكنت تدري يا شاعري كم ضاق حبك بين أضلعي؟ وكم كنت قاسيا، جارحا، عنيفا بقلبك؟ سيف كلماتك على رقبتي يدمي عروقي. لا تعرف اللين عيناك، ولا الحنان يداك. سجان أنت. قتلتني. تشهد عليك الجدران، وتستذكرك آهات وآهات. تاهت الضحكات وراء الصرخات وضلت أقدامي طريقا تخيلته بساتين معبقة بشذى الورود في كل الطرقات.
إن كنت شاعرا فكيف تقسو؟ أيلتقي شرق مع غرب؟ إن كنت محبا كيف تغرك نفسك؟ محبتك تاج تربع على عرش قلبي. يا حبيبي لا تهزمني بمزاجك. بجبروتك. لا تخلط أوراقي عند تبعثر مشاعرك. أنا يا حبيبي مزيج من الصفاء والنقاء، من عالم بعيد، مسافر غريب استوطنت الوحدة ساحات داري وأنست حتى في البعد أشواقي.
يا حبيبي بعمر قسوتك أفضل الانسحاب قبل تجرع علقم نبراتك. لا تلق الورد وتبحث عن الود. كم مزاج عليّ تقبله، وأي غرابة علي أصدقها، أيطيب لك حزني؟ للنسيان علي عتب وللغربة ألف حساب، وقد أرفع شعار الاستسلام في أي لحظة. ليس انهزاما أو انكسارا، بل انتصار عمق لم ولن تدركه شاعريتك. انتصار على ظلمك الذي لا يستحق العراك، وعلى شعر مزركش بشتى ألوان النفاق، وفلسفة كلها قشور وأوهام. عذرا للأنانية تستصرخ منك. وعذرا للضمير فالحب لون فريد ولغة العيون أنت منها بعيد. وبعد كل ذلك أتطلب المزيد؟ هل لبقائي معنى؟ إنك أدمنت ظلمي، وحديثي كله أصبح شجونا، وللفلس العاطفي الذي أنت به رصيد مخصوص.
لم أكن في لحظة مجبرة على حبك، ولم يكن اشتياقي قدرا، بل كان في قاموسي حروف اختياري ولكنك لم تفهم. ما كنت تدري ما الحنين. لن أعود حبيبي. لن أعود إليك مهما رفعت أكف الضراعة للسماء. فرضت على نفسك هالة كبرياء شاعر. وكلماتك صفعات على وجنتي، وسواد قلبك أرعبني.
عبثا كان انتظاري وحرقة فؤادي، وعبثا كانت محاولاتي كمن يلتقط الرمل بالصنار. كان قلبك من جدار وجدران. ما عدت أتحملك. قبلت العزاء بقلبي عن حبك. دفنت مشاعري وأعلنت من تحت التراب وفاة قلبي. نعم بكيت عندما تلقيت العزاء، فقد تذكرت كم لحظة لك ضعفت. أعترف بأني لأجلك اعتصرت الهم وشربت كأس المرارة وندمت، ولكن ما فائدة كل هذا العبث؟ أمهلتك كثيرا وكنت طفلا مدللا بين أذرعي، ولكنك كبرت، وظننت أنك طلت السماء بيديك.
يا شاعري تخيلت أني غصن طري بين يديك، ولم تقنعك لغة السمو، فأنت لا تجيد فهمها. وخانتك عيناك حين تجردت كلماتك وحروفك: كأوراق شجر الخريف تساقطت. لست مجبرة على حبك. خيار تركك قراري. وأنا لن أعود إليك وإن مر الزمن، فالحياة تبدو في غمضة عين لحظات، تتشح بسواد ليل قد طال، وبات نهاره أشبه بصراع الذئاب. أنت من أطلقت الرصاصات على كل كلمات الحب، وما بقي حرف إلا ويشهد الزناد عليك.
ندمت على ألم وعبرات كانت مني إليك. لطالما تذكرت حكمة صديقي: "لا تطلبي ثمرا من زرع قد مات". وكانوا يقولون القسوة تميت القلب. ما صدقت إلا عندما رأيتك أنت. تخيلت أنني كلما ارتقيت ارتفعت عن أرضك أنت، ولكن خاب ظني. واتهموني بأني حالمة. هذا وقت الملل والضجر. وقت تسرق منه وأنت مكانك.
يا حبيبي تعسا لشاعر يقسو. وتعسا لمحب لا يعتذر. أشفق على نفسي كيف تحملتك طول السنين. آه وآه. ما أصبرني عليك! وما أظلمك! ما أبشع القشور التي تنمق كلماتك. لن أعود. هي كلمة باقية لك أنت، أرددها بعدد حبات الرمال وحبات المطر. ولا وجود لك. إن تغيرت فلست مجبرة على حبك. ما عاد نبضك يسري بدمي. للحزن عليّ عتاب. الحب أكذوبة على شفاه الرجال يخادعون بها النساء اللاتي ينتظرن زخرف القول وحلاوة اللسان على طرقات الزمان. يا شاعري أنا لست مثلهن. ما عاد بريقك يخدعني. لن أعود إليك حتى لو كنت آخر الرجال، وآخر ما تبقى على الأرض لي من وعود.
◄ زينب عودة
▼ موضوعاتي