أميمة أحمد سورية
حـنـيـن
تلف بايا ريح صبا مليئة بالحنين والشوق. كيفما اتجهت تلفح وجهها، وتنبجس ينابيع، تنساب رقراقة بين ثغورها. كل شيء في منزلها يثير الحنين إلى رسم أبدعت في تصويره، بأحرف رقصت على لسان قلمها كلما خلت إلى نفسها، وما أكثر خلواتها في ربوع الاغتراب، حيث كلما ازدحمت شوارعها بالبشر، أثارت شعورا بالوحدة أكثر.
قفزت بايا عن كل هذا الواقع، وتسلقت أكمة الحلم بكل بهائه، واتكأت على شرفاته. تحدث ضياء الذي هوى نيزكا في أعماقها على غير توقع أو ميعاد، فامتلأت الأكوان موسيقى تعزف على أوتار أعماقها الزاهية فرحا، تثير رغبة اللهو لدى العنادل والحساسين والبلابل في ربوع حدائقها. وقد عاد ربيعها طلقا، يختال بحسن لم تألفْه من قبل، وعبق أوراده تملأ جوانحها شوقا وحنينا إلى لحظة تصافح فيها من كتبته وأحبته، حتى ولو كانت كمصافحة الغرباء. تريدُ أن ترى حُلما صنعته عشيات، وأماسي سنوات خلت. كانت تتفتق أكمام الورد لحظة بعد لحظة.
تفتح الآن دفاترها، تقرأها صفحة صفحة، تتراقص بين سطورها عينا ضياء ضاحكتين، تشع من بؤبؤ عينه خيوط فجر واعد بالأمل واللقاء.
لماذا تراجع التصوير بالكلمات؟ لماذا ذبُلت تلك الأوراد؟
في مروج ليلكية، على سفوح الزمن راحت تتأمل بايا تفاصيل المشوار، متسائلة عن سرّ عاصفة الحنين. هل لأيام مضت صورتها كما يحلو لها؟ أم لضياء الذي أضاء أبعاد الصورة، وخلق بضوئه الحياة لصورة ما كانت لتحيى لولا رقة ضياء، كطل الندى يروي تلك المساكب من النرجس، والفل والياسمين والخزامى كل صباح، يمسحُ بكفيه حنانا على خدود الورد لتزداد ألقا؟
لم يذبل شيء، ولم يتراجع التصوير، بل انتقل إلى شكل سرمدي لم تعد الكلمة تحيط به، حينها "الصمت في حرم الجمال جمال." فصمتت، وانسابت مع موسيقى القُزح، تنتشر الفرحة والغبطة قوس قزح، بتلاوينها الزاهية. هتفت إليه، تسمع صوته، بضع ثوان، وانصرف، كان مشغولا، قدرت أن لديه ضيوفا، ودعته على أمل اللقاء، أو هكذا تصورت بكلمة باي. إنه بعيدٌ، ولم تكن تدري أنه الآن أكثر حضورا، يفرش جناحيه حولها، يُراقصها، تدور كفراشة بين يديه. وظلت ترقص وترقص، فهو التعبير الأول للإنسان.
◄ أميمة أحمد
▼ موضوعاتي