طيبة حامد محمد العمايرة - الأردن
محاكمة الياسمين
عذرا دمشقي هل من العدل أن ترفع جلستك وفلسطين لم يحدد موعد جلستها بعد؟ عذرا منك أيها القاضي؛ أين العدل في الماضي؟ لن ترفع الجلسة حتى يحدد موعد القضية. لست بأنانية لكنني دستورية وديموقراطية، وقوانيني بكل صراحة عصرية وحضارية.
أرجوك لا تجادلني؛ كي لا تجبرني أن أرفع القضايا الأخرى؛ بلاد الشام بأكملها قضية لم يعين لها محام ليدافع عنها؛ قضية أهملت، وبالدم الأحمر لطخت. قضية وبكل سهولة نسيت، ومن ذاكرة أحدهم حذفت. تجدها تحت الحطام وبين الضحايا والأنام. قضية خلف القضبان تنتظر حكم الإفراج.
جادلني في هذا الماضي يا سيدي القاضي، واترك الحاضر القاسي؛ فلولا الماضي لما كان هذا هو الحاضر. أترى هناك سيدي القاضي؟ هناك حلم سجين إن أنصفتني أصبح طليقا، وإن ظلمتني أصبح هزيلا.
أقسم لك بالله العظيم أن أقول الحق؛ الحق كله ولا شيء سوى الحق: ناطحات دخان تجوب بلاد الشام، تقتل الصغار والكبار دون رحمة أو إشفاق، تهدم البيوت والمساجد المدارس والمصانع، تموت الناس خوفا من صوت القنابل، وتموت الناس وجعا من قهر الزمان، وأخرى تموت تحت الحطام.
أصوات صراخ وبكاء؛ أعجب كيف لا تسمعها بقية البلاد. طفل رضيع مات شهيدا وأمه تحتضنه وتحميه قبل أن ينهار البيت فوقهم ليصبحوا جثثا هامدة.
ما الذنب الذي أذنبه الطفل المسكين؟ أم أن ذنبه أنه أراد أن يعيش؟ مؤلم ذلك المنظر حين ترى أحدهم يا سيدي القاضي يخر جسدا دون يد، أو قررت قدماه الرحيل قبله، دونه.
كيف سيكمل الطفل اليتيم حياته بعد أن رأى موت والده أمامه؟ أو حتى الأم المسكينة بعد أن ودعت زوجا قد أمضت العمر معه؟ وولدا في زهرة شبابه؟ هل ستكمل الفتاة الحياة دون أخ أو أخت وقد نطقت فيهما وقت الظلم؟
سيدي القاضي لا أطلب تعويضا ماليا، لكني أطلب تعويضا نفسيا؛ فكم سببت الحرب من أمراض بما تركته ورائها من رعب وخوف ودم؟ فهل ستعوض ذلك سيدي القاضي؟ أتعلم، هذه الحقيقة ستكفيك لسنين عدة؛ بحار ومحيطات لن تكفي لغسل الأوجاع وتنظيف الدماء.
لا أبالغ سيدي القاضي لكني أجادل بحدود العادي، أجادل من أجل حق طفل مشرد، وفتاة مغتصبة، وأم منهكة، وشيخ مسكين، وشاب طعن غدرا.
سيدي القاضي لن أسمح بتجاهل الماضي، ولن أرضى بحكم المؤبد أو الإعدام شنقا؛ ولا إغلاق القضية ونسبها ببساطة ضد مجهول الهوية.
سيدي القاضي أجبني عن الباقي: من المسؤول عما جرى في الجزائر وليبيا وتونس والعراق؟ وما يجري في مصر وبلاد الشام؟ وما سيجري في فلسطين وباقي البلاد؟
حضرة القاضي أجبني وارفع الجلسة، أو تجاهلني وأغلق القضية. لكن كن عادلا، كن منصفا بحق البلاد والعباد، وذاك البياض في حضرة الياسمين يا أيها القاضي.
◄ عود الند: الإدارة
▼ موضوعاتي
3 مشاركة منتدى
محاكمة الياسمين, آية قدومي - الأردن | 22 آذار (مارس) 2016 - 13:47 1
رائع للغاية اتمنى لك مزيدا من التفوق ولابداع دمت مبدعة في قلمك ، سلمت يداك وطابت
محاكمة الياسمين, فنار عبد الغني - لبنان | 4 نيسان (أبريل) 2016 - 17:30 2
العزيزة طيبة
تحياتي
انت ياسمينة حقيقية، تملكين قلباً ابيضاً، والياسمين في عالم الرؤى يرمز للعلماء.في النص منحتيه تفسيرا جديداً.
دمت بخير .
محاكمة الياسمين, رانيا حميد. الاردن | 25 شباط (فبراير) 2018 - 18:56 3
اختي طيبة
ضغطي على الجرح آلمت فينا داخلا ساكةا وصحيت غفلة في نفوسنا عن جراح مازالت تتكدس فوق بعضها في هيئة قضايا مهملة تنزف بلا توقف
سلم فكرك والقلب عزيزتي