أرشيف ناجي العلي
شخصيات في لوحات ناجي العلي
1. حنظلة: صبي يشاهد ما تدور حوله لوحة الكاريكاتير. يداه مربوطتان خلف ظهره. يتحول أحيانا إلى شخصية في اللوحة، فيشارك في الحوار أو يقوم بعمل ما.
2. الرجل الكادح: رجل نحيف طويل فقير يدخن السجائر. من علامات فقره الرقع على ملابسه، كذلك نحافة جسمه.
3. المتكرّش: شخص بدين ذو رأس كبير. ينطبق عليه قول الشاعر مظفر النواب: «وهذا الثوري المتخم بالصدف البحري ببيروت، تكرّش حتى عاد بلا رقبة».
4. الرجل الفقمة: شخصية أسوأ من المتكرّش. هلامي الكيان، ونذل سياسيا ووطنيا.
5. فاطمة: امرأة كادحة وفقيرة.
فيما يأتي مقتطف من رسالة ماجستير أعدتها الباحثة فنار إسماعيل عبد الغني مخصص لتحليل الرموز والشخصيات في لوحات ناجي العلي.
من الرموز التي وظفها العلي للتعبير عن عنف الأنظمة العربية السوط، والسيف، والمشانق، والسجون، وكراسي السلطة، والدماء، والأسيد، والمحكمة، والشخص المتكرّش.
يصور العلي الشخص المتكرّش، الذي يرمز للأنظمة العربية، أصلع الرأس. وهذا يشير بدوره إلى عجز الأنظمة العربية. لقد وظّف العلي هذه الفكرة ليدل الرأي العام على حالة العجز، أو عقدة العجز كما يسميها هشام شرابي، التي أصابت المجتمع العربي. ويصوره مطأطئ الرأس. وهذا ينم عن شعور بانسحاق متواصل، وهذا بدوره يدعم الفكرة السابقة.
يبرز العلي الرجل المتكرّش بشوارب مقصوصة على طريقة [الممثل الهزلي] شارلي شابلن. والشارب الطويل يعتبر رمزا للرجولة والعزة عند العرب. أما ابتسامة المتكرّش فهي ثابتة في معظم اللوحات، ولا تسفر إلا عن الأسنان العلوية وهي ابتسامة المفترس، كما يفسرها جوزيف ميسنجر (1)، الذي يغرف دون حساب من متع الحياة. وتثير هذه الابتسامة أيضا التهكم على الضعفاء.
يجعل العلي المتكرّش بلا أقدام، في إشارة منه لفقدان الحركة والفاعلية في الحياة السياسية، ولإصابة الموقف العربي بالجمود والعجز. ومن الملاحظ أن كل الأفكار السابقة قد قصد بها العلي أنّ الضعف والإفلاس الفكري والتبعية والعجز الذي تعاني منه هذه الأنظمة قد بات حقيقة ساطعة، لا تخفى على أحد. لذلك صورها العلي مفرطة في البدانة وعارية تماما [**].
[...]
يعرف العلي طبقة المقهورين من خلال أبرز رموزه الفنية: حنظلة، والمرأة، والرجل الفقير، والمسيح، وأطفال المخيمات، والعائلة الفقيرة، وغيرهم.
[1] حنظلة: هو الشخصية الرئيسية الأولى في كاريكاتير العلي. ويرمز حنظلة في الذاكرة العربية الإسلامية للفداء والإقدام وتلبية النداء. وحنظلة الذي ابتدعه العلي في حياته الفنية هو ابن نكبة عام 1948، وهو طفل استثنائي. إنه ولد في العاشرة من عمره وسيبقى كذلك حتى يسترد الإنسان العربي شعوره بالحرية وتصبح كرامته غير مهددة.
يظهر حنظلة برأس يشبه الشمس المشعة التي لا تغيب أو برأس القنفذ ذي الأشواك البارزة والمتأهبة للدفاع عن نفسها. ويقدمه العلي بقامة ضئيلة، وثياب رثة ومرقّعة، وقدمين عاريتين. وفي معظم اللوحات يظهر حنظلة مديرا ظهره للمشاهد، عاقدا يديه، وتدل حركة اليدين المضمومتين على الثقة بالنفس وعلى تلهف لخلاص منتظر.
ونلاحظ في كل اللوحات أن حنظلة مشرد، لا بيت له ولا عنوان. إنه يتواجد في كل مكان تهدر فيه كرامة الإنسان العربي ليكون شاهدا على المآسي العربية المستمرة. وبالرغم من أن حنظلة يظهر في معظم اللوحات صامتا وعاقدا كفيه للخلف، إلا أن صمته لا يؤول إلى الجمود والعجز، بل هو راصد ومدون لكل الوقائع، فهو فاعل في صمته وسكونه كما هو فاعل في حركته وكلامه.
وفي اللوحات التي يشارك حنظلة فيها بالأحداث، يؤثر في المشاهد تأثيرا مهما، فهو في المقابر يضع الزهور فوق أضرحة الشهداء، ويواسي الأيتام ويساعدهم، ويذرف الدمع على ضحايا الحرب الأهلية اللبنانية، ويلتقط الحجارة ليساعد الأطفال في رجم جرافة صهيونية.
[2] المرأة: هي الشخصية الرئيسية الثانية في كاريكاتير العلي. إنها تمثل الأمة العربية. يطلق عليها العلي عدة تسميات، تمثل كل واحدة منها صورة فنية، فهي فلسطين والضفة الغربية والجنوب وبيروت وصيدا وصور وطرابلس والمقاومة والانتفاضة وأم إلياس وفاطمة وزينب.
المرأة كما يصورها العلي هي ضحية العنف بكل أشكاله. يصورها في المجتمع العربي وهي تعاني الفاقة، وفقدان الحرية والأمن، لكنها صابرة، صامدة. أما في الدول العربية الغنية بالنفط، فهي مسجونة داخل الحياة الاستهلاكية.
ويبتدع العلي للمرأة العربية شكلا خارجيا جذّابا، يعكس مضمون شخصيتها المخلصة البريئة النقية في كل ممارساتها الأخلاقية والسياسية.
المرأة العربية تظهر في لوحات العلي بقوام رشيق ومتناسق وطويل، ولباس محتشم وبسيط، يبوح بهويتها العربية. تطل من قلب اللوحة برأس شامخ، صامتة لا تبوح بشيء، لكنها في الوقت نفسه تبوح بأشياء كثيرة، وتحتل دائما صدر اللوحة كمركز للقوة والاتزان.
المرأة في لوحات العلي تحلم بغد أفضل وتعمل على تحقيقه، وتبشّر بميلاد الثورة التي ستقضي على الاضطهاد والاحتلال والفقر عبر شعب من الحناظلة يسعى لنيل الحرية والعدالة الاجتماعية.
[3] الرجل: ھو الشخصية الرئيسية الثالثة في كاريكاتير العلي، والتي تمثل الشعب العربي والوطن العربي. وھو نموذج الإنسان العربي الفقیر والمقھور والمسحوق، المشرد، المھجّر، المطارد، الثائر، الكادح، المناضل، المقاوم، المتھكم اللاذع، والرافض للاستسلام.
إنّه إنسان یرفض الطبقیة والاستغلال والتوزیع غیر العادل للثروات وتھمیش الفقراء والضعفاء ویناھض العنصریة والطائفیة. ھو بمعنى آخر نموذج للإنسان الرافض للعنف الاجتماعي. وإضافة لذلك، ھو شخصیة وطنیة فاعلة.
یطلق العلي على ھذه الشخصیة تسمیات مختلفة، تجسّم كل واحدة منھا مشھدا فنیا فیسميه: أبا ثائر، أبا كاسم، أبا العوافي، أبا وثیقة، أبا التعتیر، أبا الھم، Poor ابن Poor [فقير ابن فقير]، رجب، شعبان، رمضان، من موالید القدس، مرقص، بطرس، أبا إلیاس، الجلیلي، الجنوبي.
وقد ابتدع العلي لشخصیة الرجل ملامح خارجیة تتناسب مع مضمونھا الداخلي وممارساتھا الأخلاقیة والسیاسیة. والرجل العربي المقھور، سواء أكان فلسطینیا أم لبنانیا أم مصریا، طویل القامة على عكس المتكرّشین الإقطاعیین. ھو أیضا نحیل الجسم، ضامر الوجه، عریض الجبین، واسع العینین، نلاحظ في عینيه الغضب، وأیضا في بعض المرات التھكم.
أما الشاربان الكثیفان فیشیران إلى رجولته وقوته. وتوحي ضخامة یدیه وقدمیه العاریتین بخشونة عمله.
فضلا عن ذلك، یصور العلي المسیح بصورة المقاوم واللاجئ الباحث عن الأمن والحریة. ویصوره العلي بجسد ضامر وعینین ملیئتین بالأمل والحلم.
أما الشخصیات الانتھازیة، فھي شخصیة السیاسي المسخ المتكرّش نفسھا والتي غیّرت المفاھیم والأمثلة والشعارات وأصبح لھا شعارات تخدم مصلحتھا الشخصیة الأنانیة كشعار «ثروة حتى النصر» [بدل ثورة حتى النصر] و«انھب واھرب» [بدل اضرب واهرب، وهو أحد تكتيكات المقاومة].
= = =
(1) ميسنجر، جوزيف. المعاني الخفية لحركات جسد. ترجمة محمد شمس الدين، ط 1، بيروت، دار الفراشة، 2006، ص 339.
::
المصدر: فنار إسماعيل عبد الغني. مقاومة العنف بالفن عند ناجي العلي. 2015. رسالة أعدت لنيل درجة الماجستير في الفلسفة. الجامعة اللبنانية، ص ص 76-81.
[**] إضافة من مؤلف الكتاب: يظهر في لوحات ناجي العلي شخصيتان فيهما صفات مشتركة ضمن المذكورة أعلاه. الأولى متكرّش بأرجل. تظهر هذه الشخصية في العديد من اللوحات المنشورة في هذا الكتاب. والثانية، متكرّش بلا أرجل يشبه حيوان الفقمة الذي يزحف على بطنه.